الفكرة الأساسية للمحاكمة

بانوراما 2019/11/05
...

ترجمة: أحمد هاشم

 
 
 
بُشر بها على أنها المحكمة الأكثر أهمية منذُ محاكمة النازية التي أُقيمت في نورمبرغ إذْ كانت فرصة لطرح سؤال بسيط على الرجل الذي دبر مقتل قرابة مليونين مواطن: لماذا؟
الدوائر القانونية الخاصة لمحكمة كمبوديا بدأت بتفعيل مهامها في عام 2006 وفي غضون سنوات وصلت التكاليف المادية التي أنفقتها أكثر من مئتي مليون دولار لكن برغم ذلك اتضح أن المحكمة تعاني من الفساد والمعرقلات والتدخلات ما أدى إلى استقالة قضاة ومحققين، وأقصى ما أنجزته خلال ثماني سنوات هو إتمام الحكم في ملف واحد فقط أدانت المحكمة فيه كاينج جيكاف المعروف أيضا باسم كومارد روج بتهمة جرائم ضد الإنسانية والإشراف على سجن تول لسلينج الذي يقدر تم بداخله تعذيب وقتل خمسة عشر ألف مواطن كمبودي. 
في عهد ميليشيا الخمير الحمر بين 1957 – 1979 أُخرج رجال ونساء وأطفال من منازلهم ومدارسهم في جميع أنحاء كمبوديا إلى مخيمات العمل في الريفية تحت برنامج إعادة التأهيل، مات الكثير منهم بسبب الأمراض والجوع. وفي جانب آخر كانت المعتقلات مكتظة بالسجناء يُعذبون ويُعدمون تحت ذريعة برنامج إعداد مجتمع شيوعي زراعي مثالي. حتى تحرير البلاد من قبل فيتنام كان ربع تعداد سكان كمبوديا قد قتل.
يرى الكثير من الشعب الكمبودي أن المصالحة مستحيلة لطالما لم يزل بعض كوادر عناصر الخمير الحمر يتسنمون مناصب وزارية في الحكومة وقيادة القوات المسلحة. الرئيس هون سين كان قائداً في الخمير الحمر. الكثير من الناجين يحاولون نسيان طفولتهم ويرفضون الحديث عنها وفي المقابل الناشطين المعنيين بهكذا حالات ويبحثون عن أجوبة يواجهون مضايقات واعتقالات وأيضا تهديدات من قبل الدولة.
استغرق الأمر قرابة عشر سنوات في الأمم المتحدة حتى شكلوا محكمة من أطراف عدة تضم قضاة ومدعين عامين كمبوديين ودوليين، كان الأمل هو محاكمة كبار أعضاء الخمير الحمر بتهمة جرائم حرب ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. الكثير من تلك الكوادر قريبين من هون سين. على أية حال، إضافة إلى ذلك فرئيس مجلس الشيوخ جي سيم ورئيس الجمعية الوطنية هينج سامرين مُنعا من الاستجواب والإدلاء بشهادتيهما وعلى ما يبدو تم ذلك لتجنب الحكومة من الإحراج. لكن مثل هذه العوائق ليست بالضرورة تحيل العملية برمتها إلى زيف كما قال أحد النقاد وهو الاستاذ بوك جاهانج الذي يعد ضمن الناجين من ميليشيا الخمير الحمر والآن يشغل منصب رئيس مؤسسة الوثائق في كمبوديا وقد أضاف: المحاكمة ضرورية بشكل استثنائي، الشيء الأكثر أهمية في بلد مثل حالة كمبوديا، لا أحد يريد أن يعيش مع الماضي، الفكرة الأساسية للمحاكمة هي العبور إلى الأمام. 
التثاقل في إنجاز الإجراءات يعني ضياع الوقت في تقديم الأسئلة وإيجاد أجوبة لها. أربعة اشخاص من أكبر الشخصيات الذين يجب تقديمهم إلى المحاكمة في الملف المطروح مؤخرا والذي يحمل رقم (002 ) هناك اثنان منهم واحد مات والآخر غير مؤهل للوقوف أمام المحكمة هذا يعني بقي الذراع الأيمن فقط لرئيس كمبوديا السابق بول بوت السيد نوون جيا وهو الآن في سن السابعة والثمانين. ورئيس الحكومة السابق كهيو سامفون وهو في سن الثانية والثمانين وكلاهما عجوزان وليس في وضع حسن. وتتوقع الدوائر القانونية الخاصة في محكمة كمبوديا أن هذا الملف يحتاج إلى سنة أخرى. ذلك أجل جلسات الاستماع إلى الملفين المرقمين (003 ) و (004 ). وفيما يخص الضحايا، ربما المحكمة تجاهلت أو غضت النظر عن السؤال الأكثر إلحاحا من أي شيء: ما الذي يشكل العدالة؟.
قال السيد ثيري سينج وهو محامي وناشط في حقوق الإنسان وقد أضاع والديه في الإبادة الجماعية: العدالة أكثر بكثير من أن كهيو سامفود أو نوون جيا أوكلوا محامين للدفاع عنهم، هناك شريحة من الضحايا لم تطالب ولا تتوقع إجراء محاكمة عادلة تماما، ما الذي تقدمه محاكم الخمير الحكم الآن هو تناقض شاحب لا يمت بأي صلة إلى ما يشبه المحاكمة.
في ما يخص البلاد، في هذه المهزلة، الخداع، هو إتلاف يؤسس لوضع خطير وعدم استقرار في المستقبل ما يؤدي إلى الإفلات من العقاب.