الكوتا النسائية والمحكمة الاتحادية

آراء 2018/11/18
...

سلام مكي
 
الكوتا النسائية التي نص عليها الدستور العراقي في المادة 49 فقرة رابعا منه مثّلت احدى الاشكاليات الدستورية التي تمثل تحديا لأي جهد مستقبلي في 
تعديل الدستور
 فهي من جانب، تؤدي الى ضمان مشاركة نسبة معينة للنساء في البرلمان، وهذه المشاركة، تسهم في الوقوف على معاناة المرأة، وتحقيق تطلعاتها وأهدافها.
 ومن جانب آخر، يرى مختصون ان الكوتا وفق المفهوم الحالي، هي مخالفة صريحة لأحكام المادة14 من الدستور التي تنص على المساواة امام القانون، 
دون تمييز بسبب الجنس... فهنا الدستور نفسه ميّز بين الجنسين، حين منح جبرا نسبة في البرلمان للمرأة، بغض النظر عن مدى تحقيق الاصوات الكافية للفوز بمقعد برلماني. المحكمة الاتحادية، بوصفها الجهة المختصة بنظر دعاوى الطعن بدستورية نص قانوني، ردت مؤخرا دعوى تتعلق بعدم دستورية الفقرة التي تتعلق باحتساب نسبة الاصوات في نظام توزيع مقاعد مجلس النواب رقم 12 لسنة 
2018.
 ورغم عدم الاطلاع على نص القرار، لمعرفة دفوع المدعي، الا اننا نرى ان اهم دفع ممكن يقدم الى المحكمة، هو ان هذه الفقرة، تخالف نص المادة 14 التي تقول بأن العراقيين متساوون
 امام القانون، دون تمييز بسبب الدين والعرق والجنس... فهنا تم التمييز بسبب الجنس، وبالتالي، فإنها مخالفة 
للدستور. 
والمدعي، لابد وانه متضرر من هذا النظام، اذ انه حصل على اصوات تؤهله للحصول على مقعد نيابي، لكن مقعده ذهب الى مرشحة حصلت على اصوات اقل من
 اصواته.
 المحكمة الاتحادية، تصدر احكامها بعد الرجوع الى الدستور، فمهما كان النص الدستوري، صحيحا ام به اشكاليات او حتى تناقضات، فهي ملزمة، 
بالتقيد به. 
ان حكم الاتحادية، جاء صحيحا وموافقا للدستور، من حيث ان الكوتا كما قلنا منصوص عليها دستوريا، لكن هذا النص كان يفترض الا يتناقض مع نص دستوري آخر، لأن النص الدستوري، يوازي في القوة نصا دستوريا آخر، فلو كان هنالك نص قانوني، لقلنا ان النص الدستوري، اعلى واسمى منه، لكن وجود نصين دستوريين متناقضين، لابد من وجود توجه نحو حل لهذا التناقض. وهذا الحل يأتي عبر الرجوع الى الأسباب التي دعت
 الى وجوده.  لاشك ان المساواة امام القانون، هي الأصل في كل شيء، لكن المشرع اوجد الكوتا كاستثناء على الأصل، ليضمن تمثيلا للمرأة. والسؤال: ماذا بعد هذا
 التمثيل؟ 
المفترض ان وجود نسبة الربع في مجلس النواب للمرأة، يعني وجود تيار قوي 
ومؤثر، يمكنه ان يشكل عامل ضغط على باقي النواب ورئاسة المجلس، لسن تشريعات وقوانين تخدم المرأة وتنصفها، وتسهم بتعديل النصوص القانونية التي من شأنها التقليل من مكانة المرأة والتقليل من مبدأ تكافؤ الفرص بينها
 وبين الرجل.
 وهذا يستدعي منها قراءة سريعة لمنجزات ومواقف تلك الكتلة النسائية، هذا ان كانت كتلة حقا، كما هو مخطط لها 
من قبل المشرع. 
المرأة العراقية، كما هو معلوم للجميع، تعاني ما تعانيه من فقر وجهل وعدم توفر ابسط حقوقها الاجتماعية وحتى السياسية. ناهيك عن وجود العديد من النصوص التي تقلل من شأنها وتمثل خرقا سافرا لمبدأ المساواة، كما في النصوص التي يتضمنها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة1969 المعدل.
 إضافة الى الكثير من الأمور التي هي غائبة عن المرأة، ولا تجد من يدافع عنها، سواء من النسبة التي وضعها المشرع لهذا الغرض، ام من الرجل الذي يخشى انه السبب في تلك الأزمات التي تمر بها المرأة العراقية. الاستثناءات في القانون، أمر ممكن بسبب سهولة تعديلها بعد انتهاء سبب وضع تلك الاستثناءات، اما في الدستور، فمن الصعوبة مس أي نص دستوري، حتى لو زال السبب الذي من أجله وضع 
ذلك الاستثناء. 
والمحكمة الاتحادية هي جهة كما قلنا مهمتها تطبيق نصوص الدستور، وهي هنا حكمت وفق مقتضيات الدستور.
 وبقي على السلطة التشريعية ان تلتفت على هذا الموضوع المهم، نظرا لما يتضمنه من إشكاليات حقيقية، تؤثر في سلامة 
النص الدستوري.