د. سعد العبيدي
لم يهدأ المجتمع العراقي منذ العام 2003 ولغاية الآن، وكأنه مجتمع أدخل في دوامة القال والقيل، إذا لا يمر يوم بل لا تمر ساعة الا ونسمع أو نقرأ خبراً تغلفه السياسة بغلافات الوهم، حتى بتنا نحن أبناء هذه الأجيال المشهود لها البقاء على قيد الحياة، وكأننا ندور حول أنفسنا لا نعرف لنا اتجاه سير نحو اليمين أو صوب الشمال، وأين حدود
الصح والخطأ. مشكلتنا أن السياسة التي ولجناها بعد تلك السنة أو حتى قبلها بسنين، هي بطبعها تساعد على وضعنا في دوامة الدوران حول النفس، إذ أن الكثير من قراراتها تتخذ دون حساب الظرف المحيط بالمجتمع أو المعنيين بها، ولو جاز لنا أخذ مثل على هذا التفسير سنجد منح البرلمانيين مخصصات سكن مبلغاً قدره ثلاثة ملايين دينار الذي يروج على انه صدر هذا الشهر، ولو كان قد صدر فعلاً فنعتقد أن صدوره بهذا الوقت المبكر والحكومة لم تأخذ مكانها بعد، ونيران البصرة لم تنطفئ بعد ومشكلة البطالة لم تحل بعد وغيرها أمور مازالت معلقة حتى الوقت الحاضر، عليه يمكن القول ان الظرف العام لصدوره غير صالح، والقول أيضاً بات من الطبيعي أن يصدر عنه كل هذه الضجة من القيل والقال.
ثم ان القرار بحد ذاته يثير التقويل لأن من غير المعقول أن يضاف ما يقارب نصف الراتب الى البرلماني كبدل ايجار، ومن غير المعقول أن يمنح من له بيت أو من سكن بغداد مخصصات
بدل ايجار.
إن الأقاويل التي ظهرت وأخذت من جرف البرلمان كثيراً، لا تتوقف عند تلك التقولات النقدية، إذا بات الكثير من العراقيين يسألون أين هامش التضحية في العمل البرلماني، وإذا ما كان عضو البرلمان غير مستعد للاجابة على هذه الأسئلة أو غير قادر على اقناع الجمهور الناخب وإذا لم يكن مستعداً في الأصل لأن يضحي بجزء بسيط من راتبه الذي يتقاضاه ضخماً لأغراض السكن على حسابه، أو أن يسكن في بيت مقبول لا يزيد بدل ايجاره عن المليون، فكيف له أن يضحي بوقته وجهده وحياته من أجل العراق أو من أجل ناخبين صوتوا له وهم يتأملون منه المشاركة في حل مشاكلهم التي تتأسس في معظمها على
عوز في المدخول.
إن المسألة وإن عدها البعض سهلة أو عابرة وستنتهي مكبوتة في قعر النسيان، لكنها حقاً ليست كذلك، إنها مشكلة أثارت انفعال غضب ستبقى طاقته السلبية مخزونة في العقل وهي مع أخرى تم تخزينها من قبل وأخرى ستخزن لاحقا من كثر الأخطاء، ستكوّن مستقبلاً حزمة انفعال ستظهر مرة واحدة، يصعب السيطرة عليها، وهذه مع الأسف نتيجة لا يدرك أبعادها السياسيون الذين يقعون في حال الوهم في
تعاملهم مع الجمهور.