التسويق الهرمي.. فرص عمل للشباب وتحذيرات من النصب والاحتيال

ريبورتاج 2019/11/11
...

بغداد/ فجر محمد

بعد تخرجه من كلية الادارة والاقتصاد وبحثه المستمر عن فرصة عمل، لم يجد العشريني ايوب راضي امامه حلاً سوى ان يقبل بعرض صديقه العشريني (ه،ش) الا وهو العمل كمندوب لاحدى شركات التجميل ويقول ايوب بوجه حزين ومليء بالاسى:

“اقتضى الاتفاق بيني وبين تلك الشركة ان اعمل مندوباً لديهم ثم ان اكون مجموعة اخرى تعمل ايضاً في الترويج للبضائع والسلع المنتجة لهذه الشركة،  وهكذا بدأ مشواري معهم لفترة من الزمن لاكتشف فيما بعد ان كل الوعود التي تم التعهد بها ذهبت ادراج الرياح، اذ لم تعطني الشركة استحقاقاتي المالية ولا اجر الايام التي عملت بها بكل جهد وكفاح ولا نسبة من المبيعات كما زعمت في بداية الاتفاق وبالتالي ضاع جهدي بالكامل”.
الباحث بالشؤون الاقتصادية والاستاذ في الجامعة المستنصرية الدكتور فالح الزبيدي اشار الى انه يجب على الباحث عن عمل التأكد اولاً من ان الشركة المعنية مسجلة ضمن دائرة تسجيل الشركات كي لايتعرض الى النصب والاحتيال، وهناك الكثير من التجارب ليس في العراق وحسب بل  في دول الجوار ايضاً، اذ تعد الشركة مندوبيها بتسديد مستحقاتهم ثم تنكث بوعودها لاحقاً. 
 
رأس الهرم
“في السنوات الاولى التي اعقبت تخرجي كان املي بالحصول على عمل كبيراً جداً”، قال هذه الكلمات ايوب بحسرة بادية على صوته ومحياه  واكمل قائلاً:”لان تخصصي يعد من التخصصات العلمية التي من الممكن استثمارها في حقول كثيرة، لذلك كنت اعول بشكل كبير على هذا الامر، ولكن مع مرور الايام وغياب فرص العمل في القطاعين العام والخاص ولان امكانيتي المادية محدودة ولست قادراً على انشاء مشروع حتى لو كان صغيراً جداً، لذلك كان هذا النوع من الشركات بالنسبة لي بصيص امل، ولكن بعد ان اكتشفت لاحقاً عملية النصب قررت تحذير اقراني منها “.
وبينت الدراسات والبحوث العالمية التي اجرتها مراكز خاصة بالتسويق ان هذا العمل  نموذج غير مستقر هدفه جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، بينما يكون المستفيد الأكبر هو المتواجد في رأس الهرم، اذ يبدأ بشخص أو شركة يتلخص عملها في اقناع شخص بالاشتراك أو المساهمة بمبلغ مالي مع الوعد باعطائه خدمات او ربحاً رمزياً ان استطاع اقناع آخرين بالاشتراك بعده وذلك بهدف انه كلما زاد عدد المشتركين فهذا يؤدي الى حصول الشخص الأول على عمولات أكثر، وكل مشترك يقنع آخرين بالاشتراك مقابل عمولات كبيرة تعده بها 
الشركة.
 
ربح بسيط
وحسب صحيفة” التايمز” التي تحدثت عن اجراء تحقيق حكومي بخصوص هذا النوع من التسويق الذي يعمل على انشاء شبكة مندوبين حتى لو لم يكونوا متمتعين بالقدرة التسويقية والخبرة الكافية، وفي نموذج تحقيقها اتخذت مثالاً عن إحدى الشركات في بريطانيا التي تعرف بـ AMWAY  فبينت ان ما يقارب10بالمئة من أعضاء الشركة قد حققوا ربحاً ،وواحداً من كل 10 أشخاص تمكن من بيع منتج، وحسب البيانات من شركات التسويق الهرمي التي تعرف ايضاً بالشبكي فان أكثر من 90 بالمئة يخسرون في هذه العملية التي خلصت الى أن ربحها يقتصر على الهرم بشكل أساسي، ومبن على خسارة جهد واستثمار الآخرين وبالتالي فهي احتيالية بالأساس.
 
مشاريع مربحة
هناك شركات عالمية ومناشئها رصينة عملت على التواصل مع زبائنها من خلال مجموعة من المندوبين، واكثر انواع المؤسسات تلك المتخصصة بالتجميل والمواد الطبية التي تسعى الى ايجاد اكثر من مندوب، ندى رحيم متخرجة تواً من احدى الكليات الطبية وتعمل مندوبة لاحدى هذه الشركات ترى بأن المؤسسات ذات المناشئ العالمية تحاول ان تصنع مايعرف بالشبكة لكي تصل الى زبائنها حول العالم وتجد افكاراً متعددة لتحقيق هذا الهدف وتتابع قولها:”عندما اقترح عليّ احدى اقربائي ان اشاركه في هذا النوع من العمل لم اكن متحمسة في بادئ الامر ولكن مع الاستمرار بالعمل والتواصل تمكنت من النجاح، ومن وجهة نظري فان العمل في هذا المجال يتطلب انشاء علاقات اجتماعية متينة بهدف اقناع الاخرين بمصداقيته ، فضلاً عن ضرورة التأكد من المندوب والشركة التي تقدم هكذا عروض كي لايقع الشخص ضحية 
النصب”.
الباحث بالشؤون الاقتصادية والاكاديمي يجد ان هناك ظاهرة ملفتة للنظر وتستحق الوقوف عندها وهي عمل الاطباء والصيادلة المتخرجين تواً من كلياتهم في التسويق للشركات الطبية، فالكثير منهم يعمل على جلب زملائه وزميلاته الى هذا الحقل الذي هو ليس من ضمن نطاق عملهم ولكن الظروف المعيشية والرغبة بتحقيق الذات هي من تدفعهم الى هذا العمل دون الاخذ بعين الاعتبار ان اماكنهم الحقيقية هي بداخل العيادات والمستشفيات لخدمة 
المواطنين.
 
تجربة ناجحة
“هناك مشاريع وافكار صغيرة قد تبدو للعيان وللوهلة الاولى ان مستقبلها الفشل ولكن لاحقاً تثبت التجارب انها ناجحة وتحقق الربح لاصحابها”، وبينما هي تستعرض المنتجات التي يبيعها شقيقها والمتضمنة اجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة، تروي العشرينية وئام حيدر خطوات النجاح التي حققها شقيقها الاكبر بفضل هذا النوع من المشاريع :”عندما بدأ اخي مع زملائه بالترويج والعمل كمندوبين لشركة متخصصة بتصنيع الحواسيب والهواتف المحمولة لم يكن يتصور ان هذا الامر سيكسبه خبرة اولاً في التعامل مع هذه الاجهزة ثم تعلمه اصول التسويق والترويج الصحيحة، فالشركة التي تعاقدت معه وفرت له ولزملائه دورات تسويقية وعرفتهم على الاصول الصحيحة للترويج للبضائع، وبمرور الزمن حقق شقيقي النجاح الكبير وبدأ بالتعامل مع الشركة المصنعة بشكل مباشر من دون وجود وسطاء او مندوبين”.
الباحثة بشؤون التسويق الدكتورة سماء الزبيدي اشارت الى ان هكذا نوع من النشاطات يتطلب ارضية مناسبة تتمتع بسيادة القانون والنظام كي يتمكن الشخص من اثبات حقه، وكذلك لابد من توفر ثقافة البيع والشراء الالكترونية الصحيحة كي لايكون الفرد هدفاً سهلاً للشركات التي تمارس النصب 
والاحتيال. 
وتبين الزبيدي ان هناك الكثير من الشركات التي مارست الاحتيال في البلاد، فاحداهن كانت تبيع ساعات يدوية وبدأت بمشروعها الشبكي وحققت ارباحاً كبيرة ثم اغلقت مكتبها الى غير رجعة، كما ان هناك شركات كثيرة تمارس نشاطاتها مع غياب سجلها التجاري او عضويتها في غرفة تجارة بغداد.
 
التواصل مع العالم
الباحث بشؤون التسويق والاكاديمي في جامعة بغداد الدكتور سعدون حمود الربيعاوي لفت الى ان تجربة التسويق الشبكي او مايعرف بالفايروسي لتشابهه مع انتشار الفايروس هو إنموذج موجود في دولة الامارات ولكن ضمن ضوابط قانونية صارمة، اذ تتم محاسبة الشركات المحتالة وفق قوانين الجرائم الالكترونية لكون العمليات التي تجرى هي عبر الانترنت، ولكن في العراق حتى الآن لم يتم اقرار قوانين كهذه لضمان سلامة التعاملات الالكترونية ونجاحها، وهناك عدد من الشركات زاولت اعمالها في العراق بدون ايجاد مكاتب ومقرات مستقرة لهم والكثير من المواطنين وقعوا ضحايا للنصب والاحتيال، لذلك من الضروري اخذ الحيطة والحذر من هذه التعاملات ، فضلاً عن ضرورة استعادة الثقة بين البائع والمشتري، ويشار الى ان القرآن الكريم قد شدد في آياته الكريمة على ضرورة الابتعاد عن الغش والاحتيال في المعاملات التجارية.