اذكّر القراء الاعزاء باني من انصار الاصلاح ضمن اطار الدستور. ومن هذا المنطلق دعوت الى تطبيق المادة 64 من الدستور كخطوة اولى في الاصلاح السياسي الشامل واعادة هيكلة الدولة العراقية.
وقبل تطبيق هذه المادة، يتعين على مجلس النواب تشريع قانون الانتخاب الفردي، وتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات.
وسوف يكون لدينا حكومة ومجلس جديدان خلال ستين يوما من تطبيق المادة 64.
واستكمالا لمنهج الاصلاح في اطار الدستور، سيكون على مجلس النواب ومجلس الوزراء الجديدين القيام بكل الاجراءات والقرارات الضرورية لتطبيق مواد الباب الثاني من الدستور الذي يشكل لائحة للحقوق والحريات في العراق.
ورغم كل ما يقال عن مساوئ الدستور، فان هذا الباب يشكل وثيقة مهمة في موضوعه، اي الحقوق والواجبات. ومن هنا يتضح ان الدعوة المطلقة الى الغاء الدستور غير سليمة، وتعبر عن نظرة مستعجلة للامور. فالاصلاح الشامل او التغيير لا يعني الغاء كل شيء والبدء من نقطة شروع جديدة. فهذا نهج الانقلابات العسكرية التي حدثت في 14 تموز عام 1958 و 17 تموز عام 1968، وكان من نتائجها فقدان المجتمع العراقي لخاصية "المراكمة" او التراكم في الخبرة السياسية. وهذا امر مضر بالتطور السياسي للمجتمع. المنهج السليم للاصلاح هو الانطلاق من النقاط الايجابية الموجودة لاضافة مزيد من الايجابيات الجديدة ومعالجة السلبيات الموجودة. وهذا ينطبق بصورة خاصة على مواد الباب الثاني من الدستور.
تشكلت اربع حكومات بعد الاستفتاء على الدستور عام 2005. وللاسف لم تولِ هذه الحكومات موادَ الباب الثاني ما تتطلبه من اهتمام على مستوى التثقيف المدرسي والتطبيق العملي ولهذا لم تصبح هذه المواد جزءاً مهما من الثقافة السياسية في المجتمع العراقي. كما ان هذه الحكومات لم تجعل من مواد هذا الباب خطوطا عريضة لبرامجها العملية. والامر نفسه ينطبق على الكتل السياسية التي خاضت الصراع الانتخابي في الاعوام 2006 و 2010 و 2014 واخيرا 2018.
وعندما انفجر الغضب الشعبي في بغداد وبعض محافظات الوسط والجنوب لم تكن مواد الباب الثاني مدرجةً في قائمة المطاليب الشعبية؛ بل على العكس اصبح الغاء الدستور مطلبا اساسيا ولست ادري لم يشمل الغضب الشعبي المواد الايجابية في الدستور، وهي كثيرة جدا؟! وهذا يكشف عن نقص كبير في الثقافة الدستورية للشباب العراقي. وتتحمل وزارة التربية، وهي الجهة الرسمية المكلفة بتنشئة الجيل الجديد، مسؤولية هذا النقص في ثقافة المجتمع العامة. لو تولت الوزارة عملية تثقيف الطلاب على الدستور الجديد منذ عام 2005، لكانت الـ 12 سنة التالية كافية لتخريج جيل جديد اعتبارا من عام 2017 مستوعب للدستور، ولمواد الحقوق والحريات بشكل خاص. وهذه هي احدى اهم نواحي القصور والتقصير في الطبقة السياسية التي لم تعطِ وزارة التربية نصيبها اللازم من الاهتمام، وبالتالي لم تعطِ الجيل الجديد نصيبه اللازم من التربية والتنشئة السياسية السليمة التي تكون مواد الباب الثاني عمودها الفقري. هذا الجيل هو الذي يتظاهر الان!
لم تتعود الحكومات المتعاقبة على تقديم برامجها العملية الى البرلمان لتنال ثقته على اساسه. وحين تقدم شيئا مشابها لذلك كما فعلت حكومة عادل عبد المهدي، لم يكن من بين ما فعلته النص على تطبيق مواد الباب الثاني وكيفية ذلك.في حين انها لو فعلت ذلك والتزمت به لما وصل الحال الى ما وصل اليه. ويرتكب المتظاهرون نفس الخطأ الان، حين يهملون في هتافاتهم وبياناتهم ومطالبهم مواد الباب الثاني، وهي مواد يمكن ان تحقق درجة من السعادة والعيش الكريم للعراقيين اذا اتخذتها الحكومات المتعاقبة مؤشرات لعملها. وسوف يتحقق نفس الشيء فيما لو اتخذ الشباب المتظاهرون هذه المواد دليل عمل لهم. اقتصر المتظاهرون على الاخذ بجملة واحدة من هذا الباب، تلك التي تنص على حق التظاهر، وتجاهلوا بقية المواد التي تنص على حقوق اخرى كثيرة. وكلامي هذا يستهدف توجيه رسالتين بمضمون واحد، الى كل من الطبقة الحاكمة والمتظاهرين، بجعل تطبيق مواد الباب الثاني هدفا لهما.