في خطوة تصعيدية رابعة بشأن برنامجها النووي، اقدمت ايران الاسبوع الماضي على ضخ الغاز في اجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو النووية. هذه الخطوة جاءت في اطار برنامج ايران التصعيدي ضد الاتحاد الاوروبي المتلكئ في تنفيذ الالية المالية للتبادل التجاري مع ايران بعد قرار الولايات المتحدة فرض العقوبات على تصدير النفط الايراني .
الخطوة الايرانية مهمة لجهتين ، الاولى داخلية تتعلق برمزية منشأة فوردو ، والثانية خارجية تتعلق بتوقيت هذه الخطوة بالتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وتحديدا في العراق ولبنان واليمن وسوريا ، اضافة الى المتغير الجديد الذي طرأ وهو البدء بعمل التحالف الدولي لتأمين ما سمي بالسلامة البحرية في المياه الخليجية ومضيق هرمز وبحر عمان امتدادا الى مضيق باب المندب .
في المنشأة النووية ، فان « فوردو » تعد من المنشأت الستراتيجية الحساسة لدى الايرانيين ، ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حد سواء . حساسية من هذه المنشأة لكونها بنيت في منطقة مدروسة بعناية من قبل الايرانيين لوقوعها في انفاق اسفل جبل يصعب استهدافها ويصعب الوصول لها اضافة الى انها مصممة على تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة وصلت الى 20 بالمئة وهي قادرة على تخصيب نسب اكبر قد تصل الى 60 بالمئة او اكثر ، خلافا لما هو الحال في منشأة « نطنز» التي تعمل على تخصيب اليورانيوم بنسبة 3 فاصلة 5 بالمئة وهي النسبة المتفق عليها في الاتفاق النووي الذي توصلت اليه ايران مع الدول الغربية في العام 2015 .
هذه الخطوة وضعت « الاتفاق النووي» في غرفة العناية المركزة بعد ان امهلت الترويكا الاوروبية «فرنسا، المانيا وبريطانيا » شهرين اضافيين تنتهي في 6 كانون الثاني القادم، العناية المركزة تعني ان هذا الاتفاق ربما سيكون في حالة « موت سريري » اذا لم تتحرك الدول الاوروبية بعمل جاد لانقاذ الاتفاق المذكور . وهو يعني ايضا لجوء ايران لخطوات تصعيدية اكثر « قد » تقترب من خروج ايران من « معاهدة حظر الانتشار النووي» خصوصا اذا قررت الولايات المتحدة ترحيل الملف النووي الايراني مرة اخرى من اروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاروقة مجلس الامن الدولي ، كما كان عليه الحال قبل التوصل للاتفاق النووي ، لكن في هذه المرة سيكون الامر مختلفا بالنسبة للايرانيين لان الاجماع في داخل مجلس الامن من الصعب تحقيقه بعد الانسحاب غير المبرر للولايات المتحدة من « الاتفاق النووي » الذي رعاه المجلس المذكور بقراره 2231 ، والعامل الاخر ان ايران قررت المضي قدما في المواجهة بمشروعها النووي اذا ماقررت الولايات المتحدة اتخاذ قرار المواجهة ، وهذا الامر سيجعل ايران في حلٍ من امرها ، ويساعدها في التخلي عن الكثير من التزاماتها الدولية من دون حرج ، في مقابل احراج الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها الاقليميون بالكثير من التصعيد والمخاطر التي تتعرض لها المصالح الغربية في المنطقة . وهذه النهاية لا ترغب بها الدول الاوروبية وحتى الولايات المتحدة لانها تعلم ان ضريبة مثل هذه النهاية هو « الوضع الامني» في منطقة الشرق الاوسط الذي يؤثر في المصالح الغربية الاقتصادية والسياسية. هذا التصور هو الذي دعا الاتحاد الاوروبي لصمود « الاتفاق النووي » ووعد ايران بتنفيذ الالية المالية للتبادل التجاري معها، كما انه دفع الرئيس الفرنسي ماكرون للقيام بمبادرته « التي مازالت قائمة» لاجراء لقاء بين طهران وواشنطن لحل الخلاف الاميركي الايراني .
في العامل الخارجي، اصبح من الواضح عزم الولايات المتحدة مواجهة مشروع المقاومة الذي تتبناه ايران في المنطقة ، وبعبارة اوضح فان الرئيس الاميركي دونالد ترامب امر باستخدام جميع الاوراق من اجل اجبار ايران على الجلوس على طاولة المفاوضات قبل انتهاء السنة الحالية ، لان بداية العام الجديد 2020 سيكون الرئيس ترامب منشغلا كثيرا في المناظرات الانتخابية وهو يدخل السباق الانتخابي الذي يهيء له كثيرا. خصوصا انه يواجه العديد من الازمات الداخلية مع الديمقراطيين في الكونغرس الاميركي ولذلك فهو يعتقد ان الانجازات التي يمكن ان يحققها في مجال السياسة الخارجية « قد » تغطي على بعض الازمات التي لايمكنه الافلات منها .
ايران من جانبها فهمت قواعد اللعبة وهي تناور لكسب الوقت، سواء في ادارتها للحرب الاقتصادية الموجهة لها او في الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على مناطق نفوذها واصدقائها في منطقة الشرق الاوسط.