بهلوانيات «التك تك» تربك الشوارع بحوادث مميتة

ريبورتاج 2018/11/20
...

بغداد / بشير خزعل 
 
اصبح « التك تك «علامة فارقة  في شوارع بغداد وباقي المدن العراقية، فالمئات منها  تغزو الطرق الرئيسة والفرعية قرب الاسواق وفي الاحياء والازقة منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل ، سائقو هذه  الدراجة الثلاثية العجلات ليسوا بحاجة الى تعلم القيادة ، فالخبرة يكتسبونها من الشارع بعد بضعة حوادث !! .لاسيما ان اغلب من يقود هذه الدراجات هم باعمار مختلفة من 11 سنة وصولاً الى البالغين من اعمار مختلفة ، خلال الاشهر الماضية سجلت حوادث كثيرة ادت الى اصابات مختلفة في خطورتها بسبب عدم كفاءة «التك تك» كوسيلة نقل آمنة ، بالاضافة الى عدم خبرة من يقودها بشكل منفلت من المراهقين وصغار السن الذين يتعكزون على استخدامها كوسيلة للعمل بدل البطالة . 
حوادث
اكثر من 160 حادثاً شهرياً سجلتها  طوارئ مستشفى الامام علي «ع» التابع لدائرة صحة الرصافة ، في حين اعلن مستشفى الجملة العصبية عن تلقيه لخمس وثلاثين اصابة في الرأس من جراء تلك الحوادث المميتة ، وتنتشر دراجات « التك تك» في مناطق  مختلفة من العاصمة بغداد  بشكل يثير الانتباه ، فهي تتحرك بكثرة في الاحياء والازقة الضيقة ، تحمل نساء واطفالاً بين البيوت والعيادات الطبية والاسواق وبعض المشاوير القصيرة وباجور زهيدة  لاتتعدى 3 آلاف دينار في  اطول طريق يمكن ان يقطعه سائق «التك تك» الذي يتجنب الشوارع الرئيسة للابتعاد عن الازدحامات ورجال المرور، خصوصاً اذا كان السائق صغيراً ولم يتجاوز عمره 15 سنة .
يقول حسن فالح جبار سائق (16 ) سنة :» اشتريت «التك تك» قبل 6 اشهر تقريباً بمبلغ ثلاثة ملايين دينار واعمل عليه لاكثر من 10 ساعات يومياً ،من السابعة صباحاً وحتى الساعة  الثانية ظهراً ثم بعد ذلك من الساعة  السادسة الى الثامنة مساء ، فهو مصدر رزق عائلتي بعد استشهاد ابي في حادث انفجار في العام 2016 ، فاضطررت لترك المدرسة والعمل في احدى ورش النجارة ، ثم خطرت لوالدتي فكرة شراء «التك تك»  ليكون مصدر رزق مستقل، بدلاً من العمل بالاجرة ، وانا احصل على مردود مالي جيد واشعر بالراحة اكثر من عملي السابق ، واطلع على مناطق وشوارع لم ارها سابقاً» . 
 
زبائن 
اغلب النساء اصبحن يفضلن « التك تك» كوسيلة نقل رخيصة  ، فاغلب السائقين هم صبية صغار ومراهقون من مناطق قريبة  وبعضهم معروف ضمن الحي الواحد ، ام محمد صاحبة اسواق منزلية في  مدينة الشعب قالت : «منذ دخول «التك تك»  وحتى الان استغنيت عن سيارة الاجرة والتاكسي ، واصبحت 
هذه الدراجة وسيلة النقل الاساسية للتبضع من اسواق الجملة فهي صغيرة ويمكن التنقل بها في شوارع فرعية خلال الازدحامات المرورية ، واحرص على اختيار سائق متعقل وليس 
صبياً طائشاً ، فالحوادث اصبحت كثيرة بسبب طيش البعض منهم والسرعة المفرطة التي يسيرون بها وسط الاحياء السكنية والشوارع العامة» . 
 
قانون 
المحامي عبد الامير سعدون : اشار الى «ضرورة اعادة النظر بقانون المرور الخاص بسير الدراجات النارية في الشوارع العامة، فليس من المعقول ان يقود صبي في الثانية عشرة من العمر او الرابعة عشرة دراجة نارية وسط الشوارع العامة وخصوصاً تلك الدراجات النارية الصغيرة التي انفلت استيرادها للبلد بشكل مبالغ فيه ، اذ تدخل الآلاف منها من دون اي رقابة على تأثيرها  البيئي والصحي ومايمكن ان تسببه من حوادث خطيرة» . وبين سعدون ان» قانون المرور رقم (86) لسنة 2004 بحاجة الى تشديد العقوبات على سائقي الدراجات النارية غير المؤهلين للقيادة ممن لم تصل اعمارهم للسن القانونية وغير الحاصلين على اجازات القيادة من مديرية المرور العامة . 
 
اصابات 
في منطقة الشعب ببغداد اسفر حادث لسائق « تك تك» اصطدم بسيارة حمل بسبب سيره بالاتجاه المعاكس عن اصابة سيدة في الاربعينيات بكسور في منطقة الحوض ورضوض في اغلب انحاء الجسم ، في حين اصيب السائق بجروح خطيرة ادت الى عوق دائمي بسبب بتر ساقه اليمنى، يقول والد الصبي  جاسم منشد (62 ) سنة : فقد ولدي محمد ساقه اليمنى بعد تعرضه لحادث اصطدام بشاحنة حمل متوسطة بسبب سيره بسرعة مفرطة بالاتجاه المعاكس للسير قرب احد الاسواق في منطقة الشعب ، اشعر بذنب كبير لانني شجعته على قيادة « التك تك» الذي اعمل عليه كمصدر للرزق،  لقد اصبح ولدي معاقاً طيلة حياته بسبب تفكير خاطئ مني .
 
أضرار
في حادث آخر اصيب به احد الصبية بسبب قيادة « التك تك» بشكل بهلواني في الطريق العام ، تعرض محل للمواد الكهربائية الى اضرار كبيرة بسبب تفادي سائق سيارة اجرة التصادم مع سائق «التك تك» واصطدامه بواجهة المحل مخلفاً اضراراً مادية كبيرة ، في حين تعرض سائق «التك تك» الى كسور في ثلاثة اضلاع في منطقة القفص الصدري بعد ان اصطدم بسيارة كانت قادمة من الجانب الاخر الذي قفز عليه الصبي  علي حسون عبد الله ( 12 )سنة ، صاحب المحل المتضرر عدنان فريح ( 48) سنة  قال : «على دائرة المرور العامة وهيئة الجمارك ان تمنعا استيراد مثل هذه الانواع من الدراجات التي اصبحت وسيلة لتفشي ظاهرة التسكع وترك مقاعد الدراسة بحجة العمل». ، فبالاضافة الى الحوادث الخطيرة التي تسببها يومياً  للمارة والسيارات، اصبحت اغلب حوادث السرقة تنفذ بالدراجات الصغيرة التي تختفي وسط الازقة الضيقة تفادياً لملاحقة سيارات الشرطة لها .    
                                         
حوادث 
   تستقبل طوارئ مستشفى الامام علي «ع» التابع لصحة الرصافة اكثر من 160 حالة لحوادث الدراجات النارية وسيارات «التك تك» شهرياً، في وقت افصح فيه مستشفى الجملة العصبية عن تلقيه 35 حالة اصابة بالرأس جراء تلك الحوادث.
 مدير مستشفى الامام علي «ع» الدكتور جواد الموسوي  قال : «ان حوادث الدراجات النارية وسيارات «التك تك» ازدادت بشكل كبير في الآونة الاخيرة نظراً لانتشار هذا النوع من العجلات في الشارع، فطوارئ المستشفى تستقبل شهرياً اكثر من 160 حالة اصابة جراء هذه الحوادث وباعمار تتراوح بين 13 الى 20 عاماً فاكثر».
واوضح ان «الاصابات تتراوح بين الخطرة والمتوسطة في حين تقل نسب الاصابات البسيطة بسبب السرعة في القيادة من قبل السائقين،  واضاف الموسوي:  ان مصابي هذه الحوادث يأخذون وقتاً طويلاً نسبياً في العلاج، لانه يكون على مراحل متعددة لحين اكتسابهم الشفاء التام وقد يتعرض عدد منهم الى اعاقات دائمية». 
وبين ان «الملاكات الصحية والتمريضية في المستشفى تستنفر جميع جهودها عند تسلم مصابي تلك الحوادث على مدار الساعة وتتخذ الاجراءات الفورية اللازمة التي قد تقلل من نسب الخطورة واحتمالات العوق.
 
خطورة
 مدير مستشفى الجملة العصبية الدكتور سمير حميد الدلفي بين « ان طوارئ المستشفى تستقبل شهرياً 35 اصابة بالرأس في بغداد جراء حوادث الدراجات النارية و»التك تك» ما بين كسور ونزف بالدماغ واصابات طفيفة اخرى».  
وذكر ان بعض الاصابات تحال للعناية المركزة بسبب خطورتها، بينما يحال البعض الاخر الى العمليات لوجود كسور في الجمجمة او نزف بالدماغ، فضلا عن بعض الحالات ذات الإصابات الطفيفة التي تتم معالجتها وإحالة المصاب إلى مستشفى اخر لوجود إصابات  في أنحاء اخرى من الجسم.
ولفت الدلفي الى ان الاصابات التي وردت للمستشفى كانت بواقع 19 اصابة دون سن 25 عاماً و 12 إصابة تتراوح أعمارهم ما بين 26 الى 50 عاماً وأربع إصابات فوق الخمسين عاماً، مشيرا إلى أن اغلب الحالات تلقت العلاج على يد ملاكات طبية متخصصة، مبيناً ان المستشفى يجري شهرياً عمليات معقدة تتعلق بأورام الدماغ وزرع الصمامات وكسور الجمجمة والفقرات وعمليات اخراج الرصاص او الشظايا من الدماغ او الفقرات.
 
مناشدة
 مديرية المرور العامة ناشدت رئاسة الوزراء باصدار قانون لمنع استيراد الدراجات النارية ذات المحركات الصغيرة، مؤكدة اصدارها تعليمات حددت فيها نوعية الدراجات المسموح لها بالسير على الطرقات العامة الرئيسة، فيما قررت السماح لمن ينوب عن ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تبلغ نسب عجزهم  بين 80 و100 بالمئة والحاصلين على قرار اللجان الطبية قبل 5/4/2018 باستيراد المركبات المحورة وتسجيلها لدى دوائر المرور.
وقال مدير قسم الشؤون القانونية في المديرية العميد الحقوقي عبد الكريم جهاد :  ان المديرية ناشدت الجهات المسؤولة في رئاسة 
مجلس الوزراء باصدار  قرار يمنع استيراد الدراجات النارية التي تقل سعة محركاتها عن 125  سي سي بما فيها «التك تك» وذلك لما 
تسببه من حوادث ومشاكل مرورية خطيرة، اضافة الى استخدامها من بعض ضعاف النفوس بعمليات السرقة والخطف والاغتيال لما تمتاز به هذه الدراجات من سهولة الحركة والتنقل في جميع الاماكن بما فيها الشوارع الضيقة.
وبين ان استيراد هذه الدراجات يدخل ضمن اطار استيراد لعب الاطفال كونها مزودة بمحركات ذات سعة صغيرة ما يسهل عملية استيرادها وادخالها للسوق المحلية  مشدداً على ان المديرية اصدرت عدة تعليمات حددت فيها نوعية الدراجات المسموح لها بالسير على الطرقات العامة على ان تكون مسجلة لدى دوائر المرور العامة في بغداد والمحافظات، اضافة الى شرط حصول صاحبها على اجازة السوق الخاصة بالدراجات النارية.
واكد ان المديرية مستمرة في تنفيذ حملاتها الخاصة بحجز الدراجات المخالفة للتعليمات وحجز او تغريم سائقيها حال مخالفتهم للانظمة المرورية التي تضمن سلامتهم وسلامة مستخدمي الطرق العامة.