كول ستانجلر ترجمة: شيماء ميران
يحاول الرئيس الفرنسي ماكرون ان يتغلب على السياسية والبرلمانية ماريان لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني في العوبتهم، التي يمكن ان يفشل فيها.
ففي منتصف طريقه القلق تقريبا من دورته الرئاسية الاولى، قام مانويل ماكرون بإعداد خطة جديدة من النقاش الوطني الشامل بشأن موضوع الهجرة والتي بدأت اواخر شهر ايلول الماضي ليعزز تأييده الضعيف لدى الفرنسيين، وباشر البرلمان الفرنسي نقاشات واسعة النطاق حول سياسة الهجرة الفرنسية والاوروبية.
وياتي هذا بعد اسابيع فقط من تصريح ماكرون بأنه يعتقد ان موضوع الهجرة يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة للطبقة العاملة الفرنسية، والذي يبدو انهم قاسوا منه الى جانب الفقر والبطالة، وقال للبرلمانيين إن: “السؤال هو هل نريد ان نكون حزبا برجوازيا أم لا ؟”. وكان يوجه كلامه للمشرعين في حزبه “الجمهورية الى الامام”.
من غير الواضح ما الذي ستسفر عنه تلك المناقشات؟. واذا كان المشرعون يبحثون عن افكار ملهمة فان الرئيس الفرنسي قد طرح مجموعة من آرائه التي استشعرت اين يتجه هذا الامر. فقد أشار الى ان المساعدات الطبية الحكومية المقدمة للمهاجرين غير الشرعيين سخية جدا، لذلك فالبعض منهم يسيء استخدام حق اللجوء، كما ان الترحيل احيانا يستغرق فترة طويلة لتنفيذه بسبب اعتراضات قانونية. وقال ماكرون “لا يمكن لفرنسا ان تستضيف الجميع اذا كانت تريد ان تستضيف الناس بشكل
جيد”.
الموقف المتشدد
ويتخذ النقاش طابعا خطيرا، لكنه يستند ايضا الى افتراض شكلي هو ان فرنسا لا تستضيف كل شخص يبحث عن ملاذ ولجوء. وكان ماكرون ومنذ تسلم منصبه قبل اكثر من سنتين قد انتقد سياسات الهجرة الوحشية لبعض البلدان مثل ايطاليا وهنغاريا، بينما حافظت فرنسا على موقفها المتشدد بشأن الهجرة. وخلال السنوات الاربع الماضية ومنذ ذروة ازمة اللاجئين وافقت فرنسا على طلبات لجوء بنسبة اقل بكثير من جارتها ألمانيا، وبحسب ارقام حكومية، منحت فرنسا اللجوء 33 الف لاجئ فقط خلال العام الماضي. وتعد هذه الزيادة طفيفة قياسا للسنوات السابقة لكنها لا تزال تمثل ربع الطلبات فقط.
والاكثر من ذلك ان نسبة الفرنسيين الذين ولدوا خارج البلاد ازدادت بقوة خلال العقود الاربعة الماضية. ويشكل المهاجرون حاليا نسبة اقل من عشرة بالمئة من تعداد السكان، اي درجتين اكثر مما كانوا عليه عام 1975.
ومن خلال وصف الهجرة على انها مشكلة بالنسبة للطبقة العاملة وكارثة بقدر مستوى البطالة والفقر اصبح ماكرون يردد الخطاب الكلاسيكي المتعارف لليمين المتطرف. وقد وجه حزب الجبهة الوطنية الذي غير اسمه إلى “التجمع الوطني” العام الماضي اتهاما للطبقة الحاكمة لفرنسا بالتخلي عن البلاد عبر السماح لعدد كبير من الاجانب بالدخول. وبحسب منطق الحزب الملتوي فان المهاجرين والطبقة الراقية في المجتمع الفرنسي يتشاركان مسؤولية نخر المجتمع الفرنسي واستمرار العلل فيه، فالقصة تدور بتواطؤ كبار السياسيين وموظفي الدولة، وقد رفع المهاجرون من معدل البطالة، وتكلفة الرعاية، وحرمان السكان الاصليين من العمل، وحاجة الطبقات المتوسطة الملحة للعمل، والدعم الحكومي.
وهذا هو الجوهر الحقيقي لشعار حزب التجمع الوطني الذي يمثل الشعبوية المعادية للاجانب، وهو قوته الايديولوجية.
لكن فكرة مطالبة الفرنسيين؛ من ذوي الدخل المنخفض؛ الحكومة بصوت عال لترحيل المزيد من المهاجرين او رفض طلباتهم زائفة. وهذا صحيح، فقد وجدت دراسة رأي سنوية واسعة النطاق ان ما يقارب ثلثي الشعب الفرنسي يتحدثون عن وجود الكثير من الاجانب في البلاد. لكن عند السؤال عن أهم اولوياتهم السياسية، يضع الناس مسألة حماية البيئة في المقام الاول، قبل مستقبل دولة الرفاهية، واسئلة تتعلق بقوة الشراء مثل الاجور والضرائب.
الستر الصفراء
جميع تلك القضايا تمثل صميم حركة احتجاج اصحاب الستر الصفراء، وتجسيدا شبه مثالي لغضب الطبقة الفرنسية العاملة من تجاهل الحكومة لهم، وكان اصحاب الستر الصفراء قد طالبوا بإعادة ضريبة الثروة على الاصول التي تبلغ قيمتها نحو مليون ونصف مليون دولار، والتي أُلغيت من قبل حكومة ماكرون، وطالبوا برفع قيمة الحد الادنى للأجور وبالمزيد من الاستثمار في الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات. بدلا من التعامل مع اي من هذه القضايا الملحة، اختار ماكرون معالجة موضوع لم يطالب به أحد من قبل، عدا مؤيدي حزب التجمع الوطني. إنها مناورة خطيرة من الناحية السياسية، إذ يهدف ماكرون للتغلب على هذا الحزب وفق قوانينه في اللعبة من خلال توجيه النقاش الوطني نحو قضايا مثل كلفة الرعاية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين. فإذا كان الماضي مرشدا، فإن مثل هذا السلوك يمثل مخاطرة بإضفاء مزيد من الشرعية لآراء مارين لوبان وبقية اليمين المتطرف. وكان الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي قد اطلق سنة 2009 نقاشا وطنيا شاملا واسعا عن الهجرة والجنسية الفرنسية، واعتمد على العديد من الافتراضات الخاطئة والمشابهة للنقاشات اللاحقة المعدة جزئيا لإضعاف التهديد المتنامي لحزب التجمع الوطني. وبالمقابل، أعطت التغطية الاعلامية اللاحقة مصداقية لأسطورة أن معاناة الناس الاعتياديين مرتبطة بوجود الاجانب او المواطنين غير المندمجين بشكل كاف مع المجتمع. وبعد ثلاث سنوات حقق حزب الجبهة الوطنية افضل نتيجة يمكن ان يحققها عبر الانتخابات الرئاسية في ما يتعلق بحصة التصويت، رغم انه كان قد حقق نجاحا افضل سنة 2017.
واليوم يبدو ان حزب التجمع الوطني يرفض اي مقترح لحزب ماكرون مع عدم التمادي كثيرا بذلك، محاولا سحب النقاشات الى منطقته المفضلة، وهي المواجهة الحاسمة المستمرة حول من يمكنه ان يقطع وعودا بمزيد من عمليات الترحيل وفرض قيود اكثر على الدعم ورفض المزيد من طلبات اللجوء. وحزب التجمع الوطني هو الوحيد القادر على الفوز خلال هذا النقاش. وفي استعراض محتمل لمعركة الهجرة التي تلوح في الافق، انتقدت لوبان فعلا وبشكل مسبق ماكرون لتأهبه لاتخاذ “تدابير بسيطة لكن لا يمكنها حل المشكلة”.
واذا لم يتراجع ماكرون سريعا، فيمكن للبلاد ان تترقب استعراض عضلات اكثر من هذا. وتلك ستكون اخبارا سيئة بالنسبة للملايين من ذوي الاصول الاجنبية والمواطنين الفرنسيين والمقيمين في فرنسا.