رجال أطفاء الحرائق

الرياضة 2019/11/19
...

صالح الشيخ خلف
 
لم تكن الاحتجاجات التي شهدتها معظم المدن الايرانية على خلفية زيادة اسعار مادة البنزين مفاجئة للسلطات الايرانية ، كما ان هذه الاحتجاجات ليست الاولى من نوعها التي تعترض على المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الأسرة الايرانية ورجل الشارع العادي .
لا احد في ايران ينكر اثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الحكومة الاميركية على الشعب الايراني والتي قال عنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب بانها اقسى انواع العقوبات التي استخدمتها الولايات المتحدة على بلد آخر بالشكل التي شملت حتى الغذاء والدواء ومعجون الاسنان . هذا مايعلمه الايرانيون جيدا . ويعلمون ايضا ان الرضوخ لمقاسات الارادة الاميركية وتحديدا الادارة الحالية سوف يكلفهم ضريبة باهظة اكثر مما تكلفهم ضريبة الوقوف امام رغبات رئيس اميركي كدونالد ترامب التي لاحد لها على حد تعبير المرشد الايراني الامام الخامنئي .
الاحتجاجات الايرانية والتي تخللتها في بعض المناطق اعمال عنف استهدفت بنوكا ومباني حكومية ومحال تجارية لم تستهو المواطنين الذين ارادوا التعبير عن قلقهم لزيادة اسعار مادة البنزين وقلقهم من اثار هذه الزيادة في اسعار البضائع الاستهلاكية والخدمات المقدمة من قبل الحكومة ، لان غالبية الشعب الايراني تعرف عواقب الفوضى على الامن والاستقرار في مختلف المناطق الايرانية خصوصا في ظل التدخلات الاجنبية والجهود التي تتربص بايران . ولذلك فان الموقف الذي طرحه المرشد الايراني والذي دعم فيه خطوة زيادة اسعار البنزين تبنى هذه الخطوة وتبعاتها ، الامر الذي خفف كثيرا من حدة الاحتجاجات ، لان المواطنين ربما يشككون بوعود الحكومة التي تتصرف استنادا الى اجندات متعددة ومنها قرب موعد الانتخابات التشريعية التي ستجرى في شباط القادم ، والمناكفات بين الاصلاحيين والاصوليين ، لكنهم يثقون عندما تكون اوضاعهم الاقتصادية بعهدة المسؤول الاول في النظام الذي يعتبر بالنسبة لهم صمام الامان في التطورات التي تشهدها ايران والذي ابعد ايران عن الفوضى وعدم الاستقرار كما ارادتها دوائر اميركية متعددة والتي عبر عنها بوضوح مستشار الامن القومي الاميركي السابق جان بولتون .
لكن ما فاجأ العديد من المراقبين تناغم الاحتجاجات الايرانية مع الاحتجاجات التي شهدها لبنان والعراق ، خصوصا وان دوافع هذه الاحتجاجات اقتصادية تطورت في كل من لبنان والعراق الى سياسية طالبت باسقاط حكومة او تغيير دستور او حل برلمان ، فهل يجب ان نتوقع مطالبات سياسية في الاحتجاجات الايرانية على غرار ما طالب به المحتجون في العراق ولبنان ؟ هذا السؤال طبيعي جدا للذين يتابعون التطورات في الاقليم او لأولئك الذين يتمنون ان يكون ذلك سواء كان هؤلاء في الاقليم او في خارجه .
غالبية الشعب الايراني لاتريد تغيير النظام او اسقاط الحكومة او حل البرلمان لان الاستحقاقات الدستورية متحققة في تغيير هذه الاطر وبالتالي هم يريدون تحسين الاوضاع الاقتصادية وحل المشكلات التي يعانون منها كالتضخم وارتفاع الاسعار والبطالة ، حيث استطاع الشعب الايراني ايصال رسالته لاذان الحكومة الايرانية كما قال المتحدث باسمها علي ربيعي .
في حقيقة الامر ان الحكومة الايرانية كانت امامها ثلاثة احتمالات لمعالجة العجز في الميزانية والحصول على الموارد لسد النفقات في نهاية العام ، اما زيادة الضرائب ، او زيادة تصدير النفط ، او زيادة اسعار البنزين . ويبدو ان النظام – وليس الحكومة – اختار طريق " اكل الميتة » وهو زيادة اسعار البنزين للحد من تهريبه الى خارج ايران بسبب فارق الاسعار والحصول على المزيد من الايرادات لان زيادة الضرائب اكثر مما هي عليه الان توقف عجلة الاقتصاد الداخلي ، في الوقت الذي يتعذر فيه زيادة تصدير النفط بسبب العقوبات
الاميركية .
اما السؤال الاخر الذي يطرح نفسه ، هل ان الاحتجاجات الايرانية سوف تؤثر في الاحتجاجات في العراق او لبنان سلبا او ايجابا ؟ الجواب ببساطة ان طهران تعتقد" ان الادارة الاميركية الحالية واضحة في مسارها وهي استثمار الازمات الاقتصادية ومحاولة ركوب موجات الغضب الشعبية الموجهة ضد الفساد والفاسدين الذي رعته طوال العقدين الماضيين واحداث اختراقات كبيرة في ساحات محور المقاومة"  ولذلك فانها بقدر ما تراقب التطورات بدقة لاتريد ان تقف بالضد من المطالبات الشعبية التي تنادي بالاصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد لكنها في ذات الوقت لاتريد للولايات المتحدة ان تكون لها اليد الطولى في تطورات المنطقة الامنية والسياسية والعسكرية . والاهم من كل هذا وذاك ان صراعا حادا مازال مستمرا بين طهران وواشنطن في مناطق الاشتباك ، وايران تدرك هذا الامر ، ولذلك فهي لاتريد هذه المرة ان تكون "رجل اطفاء حرائق" على حساب المطالب الشعبية ومكافحة
الفساد .