الأموال تُكتنز في البيوت وسوق العمل تفتقر للتمويل

ريبورتاج 2019/11/23
...

بغداد/ بشير خزعل 

تصوير/ نهاد العزاوي

لم تنفع محاولات احد المودعين في استرداد المبلغ الذي اودعه في احد المصارف الاهلية في شهر تشرين الثاني 2018، فحينما ذهب الى المصرف مطمئناً لسحب امواله لغرض شراء عقار فوجئ برفض المصرف اعادة امواله المودعة في حسابه المصرفي بالرقم (-----)، وقيل له ان المصرف (تحت الوصاية)، وفي رحلة مكوكية من الطلبات والمقابلات مابين ادارة البنك المركزي والمصرف (الوصي) وغيرها من الشكاوى المقدمة من المواطن صاحب المال المودع  مع المسؤولين في ادارات المصارف المعنية لم يحصل (صاحب الشكوى) على ماله ولم يبق امامه سوى القضاء كخيار اخير لاسترداد امواله وما لحق به من ضرر مادي ومعنوي افضى الى اتخاذه كعبرة للاخرين في الامتناع عن ايداع اموالهم في المصارف. 

 بلا قانون
عدم وجود قانون لحماية الودائع في المصارف ادى الى تخوف في أوساط المودعين مع كل أزمة مالية قد تضرب القطاع المصرفي، وبدلاً من استثمار الاموال في المصارف اصبحت تخزن في البيوت ولايستفاد منها في تدوير عجلة الاقتصاد .
يتجمهر بضعة مراجعين لتمشية اجراءات ادارية تتعلق بمعاملات تقتضي الحصول على ( صك) للدوائر والمؤسسات الحكومية التي تستوفي بعض المبالغ عن خدماتها ، ومن خلال الحوار مع بعض زبائن المصارف عن الودائع المالية التي يمتلكونها في حساباتهم الشخصية ابدى الكثيرون منهم عدم وجود ثقة مطلقة باي مصرف في ظل عدم وجود قانون يحمي الاموال المودعة للمواطنين.
 يقول حميد سرحان ( 55) سنة يمتهن الاعمال الحرة : لدي حساب جار في احد فروع مصرف الرشيد ، لكنني اضع فيه مبلغاً بسيطاً من اجل تمشية بعض الامور المالية التي تقتضي التعامل بالصكوك، والكثير من زملاء المهنة يفضلون الاحتفاظ باموال كبيرة في بيوتهم على الاحتفاظ بها في المصرف لعدم وجود ضامن قانوني يحافظ على اموالنا، اذا حدث اي اضطراب مصرفي او سياسي او امني . اضف الى ذلك ان اغلب المصارف الحكومية لاتتعامل في ايداعات الحساب الجاري بالدولار، الامر الذي يضطر التاجرالى ان يحول الدولار الى الدينار من اجل 
الايداع .
 
ضمان
محسن حميد (63) سنة زبون آخر يعمل تاجر جملة قال: اودع مالي في المصرف لغرض اعطاء (صك) للشركات او التجار الذين اتعامل معهم بغير العمولة النقدية ، ولاتتعدى عملية الايداع  يوماً او يومين فقط ، ويبقى في رصيدي مبلغ بسيط بحدود 250 الف دينار او اقل من اجل استمرار فتح الحساب ، ولايمكن ان اضع مبالغ كبيرة في المصرف لعدم وجود حماية قانونية لاموال المودعين وخصوصاً في المصارف الاهلية ، واضاف حميد ، الناس حالياً تتعامل بمبدأ ثقتها بالمؤسسات الحكومية فقط ، لكن القانون يبقى هو الضامن ان حدث اي طارئ يعرض اموال المودعين للخطر ، على الرغم من ان حفظ المبالغ الكبيرة في البيوت هو غير آمن ويعرض اصحابه للخطر ايضاً . 
 
 حلول غير ضامنة
دائرة تسجيل الشركات التابعة لوزارة التجارة وافقت على تأسيس الشركة العراقية لضمان الودائع كشركة مساهمة مختلطة، استناداً لاحكام المادة 19 من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل، مختص بالشأن المصرفي اكد ان ضمان الودائع يمثل اهم خطوة على طريق تفعيل النشاط المالي، اذا بين الخبير المالي حيدر البغدادي ان هذه الشركة تعمل على اعادة الثقة بين الجهاز المصرفي والجمهور الذي يكتنز أكثر من 80 بالمئة من العملة المحلية، موضحاً ان ضمان الودائع سيضخ الكتلة النقدية المكتنزة الى سوق العمل المحلية، التي تفتقر الى التمويل اللازم في كثير من مفاصلها .
 
البنك المركزي
من جهته اكد البنك المركزي ان شركات ضمان الودائع وجدت لتدعيم الجهود في تحقيق استقرار النظام المالي والمصرفي، وأوضح في دراسة نشرت على موقعه الالكتروني ان وظائف اومهام مؤسسات ضمان الودائع تتلخص في ثلاثة محاور تتمثل بـحل مشاكل الفشل المالي التي تتعرض لها المصارف ما يوفر ثقة لدى المؤسسين والمودعين، وتحقيق استقرار النظام المالي والمصرفي، والعمل على حماية حقوق المودعين ، وتابع، بالنظر للحاجة الماسة لانشاء شركة لضمان الودائع تتولى مهمة ضمان الودائع في عموم الجهاز المصرفي العراقي، أعد البنك المركزي مشروع نظام لانشاء شركة ضمان الودائع لاغراض شتى أبرزها (حماية النظام المصرفي ،والمحافظة على حقوق المودعين، وزيادة الوعي المصرفي) من خلال زيادة تعامل الجمهور والشركات مع الجهاز المصرفي . وكان البنك المركزي قد اعلن في 31 كانون الثاني 2018 عن توقيع عقد التأسيس لشركة ضمان الودائع المصرفية مع الهيئة المؤسسة التي ضمت المصارف الحكومية والخاصة بضمنها الاجنبية.
وذكر بيان للبنك في حينه من المتوقع ان يكون لهذه الشركة دور كبير في حماية القطاع المصرفي خاصة وودائع الجمهور (أفراد و شركات)، ما يعزز الثقة في القطاع المصرفي داخل العراق ولدى مراسلي المصارف خارج العراق، مايُسهم في استقطاب المزيد من الودائع وإعادة استخدامها في الائتمان والاستثمار خدمة للاقتصاد العراقي.
وكشف عن ان رأس مال الشركة يبلغ 100 مليار دينار منها 55 مليار دينار من المصارف الحكومية والخاصة، حيث كانت نسبة المصارف الحكومية 25 بالمئة، والمصارف الخاصة 30 بالمئة، وما تبقى 45 مليار دينار ستطرح للاكتتاب العام.
 
حماية
في دراســة بعنــوان (شركات ضمان الودائع المصرفية ودورها في حماية الجهاز المصرفي و الودائع) كتب  المستشارالمالي وليد عيدي عبد النبي : ان الدور الاساسي لانظمة ضمان الودائع المصرفية متمثل في ثقة جمهور المودعين في الجهاز المصرفي وقدرته على حماية ودائعهم ، وهو الاساس المتين في وجود جهاز مصرفي قوي ومتطور وقادر على مواكبة التغيرات المستمرة في الصناعة المصرفية ليكون قادراً على تحقيق اهدافه الاقتصادية والاجتماعية بفعالية وكفاءة.
 وللحاجة الماسة لانشاء شركة تتولى مهمة ضمان الودائع في عموم الجهاز المصرفي العراقي، قام البنك المركزي العراقي باعداد مشروع نظام انشاء شركة ضمان الودائع لاغراض شتى أبرزها حماية النظام المصرفي ،والمحافظة على حقوق المودعين، وزيادة الوعي المصرفي  من خلال زيادة تعامل الجمهور والشركات مع الجهاز المصرفي ووافق عليه مجلس الوزراء العراقي وتخضع لاحكام هذا النظام المصارف العراقية 
كافة.
 
 الثقة بالقانون
الخبير القانوني في شؤون الشركات والمعاملات المصرفية كاظم الجنابي اشارالى عدم جدوى اي ضمان للاموال الخاصة المودعة في المصارف الاهلية والحكومية مالم يكن مدعوماً بقانون رسمي يعتمده القضاء العراقي في الفصل بين المؤسسات المالية الحكومية او الاهلية وبين المتضررين او المستفيدين فهو الضامن الحقيقي، فالمواطن بمختلف العناوين (التاجر، المستثمر، رجل الاعمال، واصحاب العوائد المالية من مختلف المهن الاخرى) لايجازف بايداع مبالغ كبيرة في المصارف لاشهر وسنوات ، من دون ضامن قانوني يؤمن حماية امواله تحت اي ظرف طارئ يمكن ان تتعرض له المصارف ، مئات مليارات الدنانير مخزنة في البيوت منذ العام 2003 وحتى عامنا الحالي لم يستفد منها القطاع المصرفي ولا الاستثمار في تدوير عجلة الاقتصاد الداخلي ، والسبب هو عدم وجود ثقة مطلقة بالمصارف الاهلية وحتى الحكومية ، اضف الى ذلك ان اغلب المصارف وخصوصا الحكومية منها مازالت تعمل بوسائل بدائية قديمة لاتتيح خيارات واريحية في التعامل مع اصحاب رؤوس الاموال التي تودع في المصارف ، ولاتوجد لها منافذ التحويل والتعاملات في العملات الصعبة من بلدان اخرى الا عن طريق الادارة المركزية للمصرف الحكومي، بمعنى اخر ان التاجر او اي شخص له حساب جار في مصرف حكومي لايستطيع ان يودع اموالاً بالعملة الصعبة (الدولار) الا بعد تحويلها الى العملة العراقية،  وهذا احد الاسباب التي جعلت اغلب الفئات والشرائح الاجتماعية تفضل خزن اموالها في البيوت بالدولار بدلاً من الدينار ، لذلك على المختصين في المؤسسات المصرفية والبرلمان والحكومة ان يفكروا بمشروع قانون خاص بحماية اموال المودعين ووضع حصانة خاصة تكسب ثقة المواطن والمستثمر والتاجر وحتى الشركات الاجنبية  .