تحليل / علي النعيمي
قبلَ أيام توقف بعض المدربين والمحللين عند إحصائيات مباراة منتخبنا الوطني ضد البحرين التي نشرتها العديد من المواقع المتخصصة بالتحليل و الاحصاء الكمي، بشأن دقة التمريرات والمناولات التي نفذها لاعبونا في تلك المواجهة وقد استغرب اخرون من الأرقام التي أشارت إلى ان عدد تمريرات منتخبنا بلغ 513 للعراق بدقة 81 بالمئة وقد وصفوها بالمبالغة عطفاً على الأداء الضعيف والايقاع الرتيب ،وهنا بات لزاماً علينا التوقف عند هذه النقطة المهمة التي يجب ان نوضح فيها لهم وللشارع الرياضي الفرق الواضح بين مفهومي «دقة الأداء» و»جودة التطبيق» اللذين يعنى بهما علم التحليل الكروي.
فعلى سبيل المثال عندما نتحدث عن دقة التمرير التي تعنى بالدرجة الأولى بالإحصاء الكمي القائم على حساب عدد الحالات التي وصلت فيها الكرة من اللاعب الأول إلى الثاني وتسلمها من أوضاع مختلفة ويتم ايضا حساب حتى الكرة التي لمسته وخرجت من سيطرته وذهبت الى المنافس وفي هذه الحالة نجمع عدد الحالات كي نحصل على مجموع التمريرات ونأخذ منها الدقة ونسبتها المئوية أي فقط أرقام.
في حين ان التحليل النوعي دائما ما يبحث عن «جودة التمرير» و»مزايا المناولة» ليحولها الى مشاهدات فنية تخضع إلى شروط الجانب الخططي بشقيه الدفاعي والهجومي أي ان المحلل يهتم كثيرا بتقييم تلك التمريرة عطفاً على تكنيك اللاعب وطريقة توقعه لمسار اللعب الافتراضي وطريقة التعامل مع المواقف المتحركة او الثابتة بالتزامن مع مسار الكرة كذلك عند مراعاة مسألة التنظيم (الحركي والزماني) أي التمركز بين الخطوط الثلاثة جميعا تصب في نهر خصائص اللعب والستراتيجيات الموضوعة والأساليب التكتيكية وأنظمة اللعب والتشكيلات المختلفة ، بعبارة أخرى (الجودة والتمرير) تعني تقييم فعالية اللعب التي تحدث ما بين اللاعب (حامل الكرة) و(اللاعب المستلم) اللذين يجمعهما التواصل البصري و النظري والشعور الحسي ورؤيته الذهنية الدائمة عبر طريق العين أو الإشارات والإيماءات التي يرسلها أحدهما إلى الآخر خصوصا عند اخذ الفراغات او التحرك في الفراغ.
لنبسط الأمر أكثر بشأن الجودة وهنا سوف نستعين بإحصائيات المهندس والمحلل الكمي حسام المعمار التي أكد فيها أن دقة تمريرات المنتخب العراقي امام البحرين في الثلث الهجومي كانت 75 بالمئة من مجموع 85 تمريرة وفي داخل جزاء المنافس بلغت نحو 23 للعراق بدقة 39 بالمئة وان مجموع التمريرات التي أسهمت بتطوير الهجمة: كان 89 للعراق مناولة ب دقة84 بالمئة. أي ان معيار جودة التمرير يبحث هنا عن الفعاليات المرتبطة بـ التكتيك الهجومي على النحو التالي:
- هل كانت التمريرات فعالة وتلعب مباشرة الى الامام أي اللعب الى الاعلى كي نخلق منها حالات التهديف كالتسديد من خارج او داخل منطقة الجزاء؟ او أسهمت بعمل الكروسات الجانبية المؤثرة في الجزاء؟ ام ان التمرير كان مائلاً الى خلف المهاجم وليس امامه؟.
- هل كانت التمريرات المفتاحية خطيرة ومؤثرة وجعلت اللاعب بمواجهة المرمى البحريني كم طبقنا من التمريرات الذكية من مختلف أرجاء الملعب التي توفر فرصة الانتقال السريع والتهديف.
- ما هي التمريرات الدقيقة التي أسهمت في حالة توفر ميزة الزيادة العددية وحالات التخطي الفردي على غرار الركض التداخلي (اوفر لاب) (اوندر لاب)، دبل باص، اللاعب المنطلق من الخلف، الركض في المنطقة العمياء؟.
- هل عززت تلك الدقة في التمريرات من مسألة توسيع الملعب وفتح حالات لعب مثمرة؟ ام ان استلام الكرة الدقيق يحصل ما بين خطي الوسط والدفاع للفريق المنافس؟.
عندما تتحدث الأرقام عن حصول 48 تمريرة في الخلف لمنتخب العراق وبدقة 98بالمئة فإن معيار جودة التمرير يبحث عن ويقيم ويحلل الحالات التالية:
- الدقة في التمرير إلى الخلف في الحالة الدفاعية «الارجاع الى الزميل في الخلف» هل ان نوعية التمريرات كانت مستقيمة اذا كان الزميل غير مضغوط؟ ام مائلة في حالة الضغط؟ ام انها تدخل في لحظة الشروع ببناء هجمة واعدة من الخلف يستلزم الامر تدوير الكرة من جانب إلى آخر في مساحة الفريق الحائز على الكرة؟ هل الدقة في التمريرات الى الوراء كانت لغرض الإسناد الخلفي؟ ام انها جزء من حالة التكتيكية الدفاعية عندما يطبق الفريق الخصم الضغط المتقدم واستدعى الأمر التمرير الى الخلف لبدء الهجمة؟. في الختام نقول ان أي مباراة تصنف وفق المسار التحليلي الى قسمين الدقة في التنفيذ والجودة في التطبيق وهما من ركائز علم التحليل الكروي وعلى المحلل والمدرب الذي درس علم التحليل تفسير تلك الأرقام إلى مشاهدات ووقائع فنية ملموسة قبل الحكم المسبق على الأرقام فقط كما علينا ان نتوقف عند حقيقة ساطعة مفادها ان 90 بالمئة من حالات كرة القدم عبارة عن لعب مفتوح يأتي من خلال المناولات والتمريرات المتنوعة موظفة في أساليب تكتيكية متعددة وما تبقى يأتي عن اللعب الثابت أما كرات ثابتة او ركلات حرة أو جزاء أو رميات تماس وأن الأرقام التي نحصل عليها تسهم في فهم التكتيك والأسلوب وحتى الستراتيجيات التي يسعى المدربون الى تطبيقها خلال المواجهات .