كتاب جديد تناول تاريخهم ومواقفهم

ثقافة شعبية 2019/11/24
...

عبد الكناني
 
 
الشقاوة او الفتوة رجال تمتعوا بقوة جسدية وجرأة وجسارة واحيانا استهتار بالقيم والاعراف والتقاليد وحتى عدم التزام ديني او احترام للمشاعر والمجتمع من خلال الاعتداء على الناس والأسر واخذ الخاوات وامتهان الكرامات حينما تفعل الخمرة فعلها بهم حين يثملون والتصقت بهم المساوئ والموبقات من اصحاب القيم والاخلاق والاحترام الاجتماعي سوى ماندر وعلى غرار بعض حرافيش نجيب محفوظ وبعض الاسماء التي سخرت قوتها وشجاعتها للدفاع عن الناس والمحرومين والفقراء ،غير ان  الفئة الاولى كانوا يغطون هذه المساوىء والمخازي والاستهتار  بمساعدة الفقراء او الدفاع عن مناطقهم بمواجهة عناصر على شاكلتهم من مناطق اخرى بعض المواقف  في ظل غياب القانون
 وضعف الدولة .
 
الامتداد التاريخي
هذه الشريحة التي  اصبحت من معالم الزمن الماضي القريب لاسيما في بغداد  والموصل والبصرة والشمال لان معظم مدن البلاد الاخرى كانت تخضع للسيطرة العشائرية اجتماعيا  واخلاق القرية وهذا الحال يفضي للاحترام بين اهل تلك المدن وكذلك التعاون وتحليهم بالمروءة والشهامة ، تناولها كتاب الاعلامي المعروف سعد محسن خليل ، شقاوات الزمن الماضي وركز فيه على شقاوات بغداد  معرجا على العمق التاريخي لهم وامتداداته اللاحقة  إذ ورد في الكتاب ، ان العصور القديمة حفلت باشخاص غير مالوفين اسماهم الناس بالشقاوات او الشطار او الصعاليك ، وان اختلفت التسميات فطبيعة العمل والمهمة واحدة وهي تسخير مايتوفر للشقي ومن على شاكلته من قوة وجسارة وانعدام ضمير وحب الاجرام والقتل  لتنفيذ اعمال او افعال تدخل في خانة العنف لاخافة الاخرين سواء كانوا من السلطات الحاكمة او المواطنين واغلبهم من الأغنياء والتجار واركان السلطات الصغيرة او الكبيرة من الموظفين  واعتمد على ما ذكره الدكتور عبد الاله الصائغ في في الاشارة الى الامتداد التاريخي للاشقيائية حين ذكر ان هناك عقوبات صارمة وضعها السومريون على الشقاوات والمتمردين وقطاع الطرق ووردت ايضا في شريعة حمورابي .
 
اسباب الظهور
وقد برزت ملامحهم في العصر الجاهلي حين خرج البعض على قيم القبيلة والاعراف العشائرية والاجتماعية فاطلق عليهم الصعاليك او المخلوعين او الشطار من نحو عروة بن الورد امير الصعاليك الذي كان ياخذ من المتمكنين ويعطي للفقراء ومثال اللصوص وقطاع الطرق  السليك والشنفرى.
وفي العهد العثماني وبدايات الاحتلال البريطاني عندما حدث تخلخل في قدرة السلطة وضعف سيطرتها على القرى والمدن ظهر الكثير من هذه النماذج غير ان بعض المواقف لهم وحميتهم جعل المجتمع البغدادي يتعاطى معهم ويقدرهم لاسيما ارتباط معاداة السلطة بهم  واطلق البغاددة  على الشقاوة اسم  ابو جاسم لر وذكر يونس سعيد البغدادي مؤلف كتاب  شقاوات بغداد عايشت الاشقياء ووقفت على سجاياهم وشمائلهم رؤية وسماعا  فاحببتهم وماكان ذلك الا لانني وجدت ان ظروف الحياة المرة وتردي الحالة الاجتماعية في الايام الاخيرة من الحكم العثماني كانت من جملة الاسباب المباشرة في ظهور الاشقياء 
ويخلص البغدادي الى القول  ان كلمة شقاوة  تعد من المصطلحات البغدادية الاصيلة وقد كانت ولاتزال تطلق على الاعمال التي يمارسها الاشقياء بالقوة والبطش غير ان واقع الحال يوحي الى شقاء الاشقياء والى ماهم فيه من بؤس وحرمان وقلق وخوف ومما كان يخفيه القدر من مفآجات لاتخطر على البال ولاتقع الا في فحمة الليل قبل ان توحي الى ماهم عليه من قوة وباس وعراك في الحياة وفي سبيل البقاء ايضا. 
 
علي الوردي
ويذهب الباحث سعد خليل الى ماقاله الدكتور علي الوردي عن الاشقياء فيعتمده معززا لارائه واستقصائه لحياة هذه الفئة فيضمن الكتاب النص الذي جاء فيه . ان الاشقياء كانوا يحكمون المدن في العهد العثماني بل سيطر احدهم كليا على بغداد وطرد الوالي التركي ، والحقيقة فان تلك الايام رغم الظروف القاهرة المذكورة فانها كانت افضل واعدل من ايامنا الحاضرة فالشقي لايتعرض للفقراء والضعفاء وكثيرا مايساعدهم بكل مايفعله وهو ان ينتزع الخاوة من التجار والاغتياء والا ارسل لهم اعوانه لتاديبهم وكان الناس يستجيرون بهم ويلتفون حولهم فهؤلاء الاشقياء هم في نظر ابناء محلتهم شجعان ذوو نخوة وشهامة يتولون حماية اهل محلتهم من الغرباء والدخلاء وفي الوقت نفسهم فهم متمردون على النظام والقانون لايهابون حكوماتهم .
ويذكر الباحث ان الصفات تختلف لدى هؤلاء الاشقيائية او الشقاوات فمنهم من يبرز باوساط عشيرته حاميا ومنجدا ومؤازرا لعشيرته او منطفته من تدخل الاخرين وهي صفات محمودة وحميدة لدى الجميع وهم القلة  ومنهم من يبرز قاتلا ماجورا ومنفذا لغايات وطلبات قتل واغتصاب وتشويه واذى لقاء مبلغ  وهذه الاخلاق والسلوكيات غير محببة للناس
 ومرفوضة.
 
مواقف حميدة
ويشير الى ان هذه الفئة دخلت المعترك السياسي اي الصراع السياسي لمنافع حزبية تكتيكية ضيقة الافق لم يجن منها الشعب الا مزيداً من الدماء والاحزان والالام ومن ابرز الشقاوات الذين ظهروا ابان تلك الفترة في منطقة الكرخ في الاربعينيات والخمسينيات هو  عبد الامير العجمي الذي كان شرسا وصعب الترويض مهيمنا على كل الاشقيائية في تلك الحقبة من تاريخ العراق وقد قتل على يد رجال احد النواب  الى جانب اخرين ، وقد ارتبط ببعضهم تاريخ وسمعة جيدة مثل عبد المجيد كنه الذي ساعد الحركة الوطنية ضد الاستعمار وقد كون مجموعة من الاعوان التي هددت وجهاء واعيان بغداد من عدم التعاون مع الانكليز وقد اعدم ، وابن عبدكة الذي عد من ثوار ثورة العشرين بقتله الجواسيس والمتعاونين مع الانكليز، والشقي حمودي الذي ازعج العثمانيين، 
لقد اورد الباحث سعد محسن خليل اسماء الكثير من الشقاوات مع تعريف مختصر عن شخصياتهم وافعالهم على مساحة 140 صفحة معززة ببعض الصور وتميز كتابه بايراد معلومات جديدة عن العديد منهم من خلال اللقاءات مع معاصريهم او الذين يحتفظون بمعلومات عنهم او بالاعتماد على مصادر جديدة اعتمدها في التحليل والتقصي ان كان في علم الاجتماع وعلم النفس او الاستدلالات الصحية لمعرفة الصفات الوراثية والجينات ومايعلق بجوانب اخرى وهو جهد طيب  شكل تعزيزا للمصادر التي اختصت بهذه الفئة.