لنشر الكلمة.. عراقيون يترجمون الإنترنت إلى العربية

بانوراما 2019/11/25
...

اوليفيا كوثبيرت
ترجمة: ليندا أدور
يعمل أمين الجليلي وفريق من طلاب الترجمة لتمكين الناس بالمعرفة. عندما اجتاح "داعش " الارهابي مدينة الموصل، شمالي العراق، لم تكن حياة البشر فحسب في خطر، بل كان العلم والمعرفة كذلك. ولحسن الحظ، أدرك الجليلي هذا الأمر، فبدأ باستخدام خدمة "واي فاي" تعود لأحد اصدقائه وحوّل مجموعة كبيرة من ملفات موسوعة "ويكيبيديا" ليتم استخدامها، فيما بعد، من دون الحاجة للاتصال بشبكة الانترنت، وقد كان مستعدا حين أقدم التنظيم على قطع كابلات الشبكة بشهر تموز من العام 2016. 
يقول الجليلي: "تمنحني القراءة شعورا بأنني لا أزال انسانا، وبخاصة، عندما تعيش في كنف داعش، لأن المعرفة لا حدود لها"، مضيفا "حتى تحت القصف الجوي، اعتدت وضع سماعات الأذن خاصتي لأستمع الى الموسيقى والقراءة". 
 
مصدر للتضليل
قام الجليلي بتنزيل الملفات باللغة الانكليزية بسبب سوء تمثيل العربية على شبكة الانترنت. الآن، وبعد تحرير المدينة من قبضة التنظيم، بدأ الجليلي، وفريقه من طلاب جامعة الموصل، الاعداد لاصلاح عدم التوازن
هذا. 
من خلال عملهم الجماعي، نجحوا بعمل صفحات من موسوعة ويكيبيديا ومقالات أكاديمية وأعمال إبداعية تغطي المجالات العلمية والأدبية والفلسفية لجعلها متوفرة للمتحدثين بالعربية في محاولة منهم لمواجهة الأكاذيب بالمنطق  ومنافسة التفكير النقدي ضد الدعاية الاعلامية والأخبار المزيفة. يتوفر فقط ما نسبته 0.6 بالمئة من محتوى الانترنت باللغة العربية بالرغم من كونها تحل رابعة ضمن أعلى اللغات استعمالا بين مستخدمي الشبكة. تخطط منظمة "أفكار بلا حدود" Ideas Beyond Borders  (IBB)، التي كانت وراء إنشاء مشروع "ترجمة بيت الحكمة 2.0"، لتضييق الهوة ودمقرطة الوصول الى المعرفة في العالم العربي. 
يستذكر فيصل سعيد المطر، مؤسس المنظمة، الذي نشأ  تحت ظل النظام السابق: "كان نوعا من تضليل المصادر" اليوم، يرغب "المطر"، البالغ من العمر 28 عاما، بتسليح الشباب العراقي والعربي ضد الأنظمة الشمولية والاستبدادية والجماعات المتطرفة التي تحاول إسكات القصص والروايات المختلفة وتشجع على إذكاء العنف.
 
2.1 مليون كلمة
تمكنت المنظمة حتى الآن من إضافة أكثر من مليوني كلمة الى "ويكيبيديا" العربية، بضمنها إدخالات عن العلماء من النساء والحقوق المدنية والتنوع الديني ونظريات التطور والمؤامرة. لقيت المنظمة تجاوبا كبيرا ، فمنذ انطلاقها في العام 2017، اجتذبت "افكار بلا حدود" أكثر من مليون متابع لصفحتها على موقع فيسبوك، وحصلت على أكثر من 40 ألف مشاهدة يوميا عبر قنواتها على الانترنت، الى جانب ترجمتها للكتب ومنها "Enlightenment Now " للكاتب ستيفن بينكر وكتاب "Wake Up" الذي ألفه سام هاريس. 
تنهال الطلبات على المنظمة، مما اضطرها الى مضاعفة فريقها ليصبح 60 مترجما يعملون مع ستة جامعات أخرى بعموم أنحاء العراق، فضلا عن توسيع نشاطها ليشمل اللغتين الكردية والفارسية. 
كما ينشر الفريق منشورات اسبوعية على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث كل منها عن عالمة مختلفة.
تقول شهد شاهين، (25 عاما)، المتخرجة حديثا بعد ان علقت دراستها لبضع سنوات بسبب غلق " داعش" للمدارس والجامعات في الموصل: "من المهم جدا أن نعمل على زيادة وعي وادراك الناس هنا إلا ان المرأة بامكانها القيام بأي شيء". في ذلك الوقت، كانت شاهين تخشى مغادرة المنزل، فبقيت حبيسته، ثم أمضت وقتها بقراءة كتب عن العلوم والفضاء قد حمّلتها سابقا على هاتفها: "كانت لدي كتبي، وعندما أقرأ، تأخذني معها الى عالم آخر".
 
حركة شبابية
أما مؤمن محمد، طالب في المرحلة الثالثة، يقضي ساعتين يوميا بترجمة المقالات للمشروع، يتسلم عنها مرتبا زهيدا لكن المال ليس حافزه للقيام بذلك. يقول محمد: "كنت أرغب بالقيام بعمل جيد كوني من أهالي الموصل، وأرغب أن أثبت للعالم بأننا نستطيع تحقيق الكثير"، مضيفا بأن "المرور بأوقات عصيبة، ساعدنا على فهم العالم بصورة أفضل والتطلع لتحسين معرفتنا".
توفر المنظمة المواضيع بصيغة ملفات PDF التي يمكن تحميلها مجانا، لكن في الشارع، للقراء طرقهم الخاصة لنشر الكلمة. يقول المطر: "بدأ البعض، بصورة غير رسمية، بطبع كتبنا وتوزيعها عبر تطبيق التلغرام وغيرها من المنصات بهدف تجنب الرقابة". 
"ما بدأ كمشروع للترجمة سرعان ما تحول الى حركة شبابية"، أضاف المطر قائلا: "هؤلاء هم أناس لديهم كل الأسباب التي تدفعهم للشعور باليأس، - كل ما يعرفونه هو الحرب والدمار-لكنهم يفيقون كل صباح ليترجموا قصصا عن الثقافة والتنوع لأنهم يرغبون بأن يكونوا جزءا من الحل الذي سيجعل من بلادهم مكانا أفضل".
 
صحيفة الغارديان البريطانية