كيف سمح غورباتشوف بسقوط جدار برلين؟

بانوراما 2019/11/26
...

آنا سادوفنيكوفا  ترجمة: ليندا أدور
 
في الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين، تحدث، مع مجلة {دير شبيغل} الألمانية، عن الدوافع التي قادت الى اصلاحات {البيريسترويكا} وانها كانت اجراءات لا مناص منها، وعن علاقة الغرب الحالية مع روسيا. إنه ميخائيل غورباتشوف، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي ورئيس البلاد حتى العام 1991. خلال فترة رئاسته، دفع بإتجاه إصلاحات ليبرالية مهمة من خلال إتباعه لسياسسات البيريسترويكا (إعادة الهيكلة) والغلاسنوست (الانفتاح والشفافية)، كما ساعد بإنهاء الحرب الباردة، وحصل على جائزة نوبل للسلام أواخر العام 1990.

اليوم، في منزل صغير بإحدى ضواحي موسكو، يعيش غورباتشوف (88 عاما)، ولا يزال مشاركا نشطا، يخوض النقاشات السياسية. لكن لدواع صحية، جزءا من اللقاء جرى شخصيا في مكاتب مؤسسته وسط العاصمة موسكو، وأجرى البقية كتابة.
 
شعب واحد
يتحدث غورباتشوف عن كيف كان يرى حدث انهيار جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني من العام 1989، فيقول: “رؤيتي للوحدة الألمانية هي ذاتها كما كانت في حينه، فالوحدة كانت من أبرز الإنجازات التي قمت بها على الإطلاق، كان لها الأثر الكبير على حياة العديد من الناس, أقدر هذا اليوم تقديرا كبيرا، وكذلك كل من ساهم به”. وعند سؤاله ان كان سقوط الجدار قد فاجأه، قال غورباتشوف: “لقد تابعنا، عن قرب، أحداث جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وكانت المطالبة بالتغيير موجودة بكل مكان، فخلال أوائل تشرين الأول من العام 1989، وأثناء الاحتفال بالذكرى الاربعين لتأسيس ألمانيا الديمقراطية، رأيت اعضاء شباب من الحزب الحاكم يصطفون، معبرين عن تعاطفهم مع البيريسترويكا مناشدين: “ساعدنا.. غورباتشوف”. ويضيف الزعيم السابق: “انطلقت تظاهرات عفوية من مدن كبرى بألمانيا الديمقراطية، وازدادت ضخامة كل يوم، وكانت هناك أعداد متزايدة من اللافتات كتب عليها عبارة “نحن شعب واحد”. يشير غورباتشوف قائلا: “بحلول 18 تشرين الأول، كان على إيريش هونيكر التخلي عن منصبه ليحل محله إيكون كرينز، لكن تلك الإصلاحات أتت متأخرة كثيرا، فخلال اجتماع للمكتب السياسي في الثالث من تشرين الثاني، اي قبل أسبوع من سقوط الجدار، وأثناء مناقشة أوضاع ألمانيا، ذكر رئيس لجنة أمن الدولة: “غدا، سيخرج 500 ألف شخص الى شوارع برلين ومدن أخرى”.
وحول الاستجابة التي وضعها في الحسبان، يقول غورباتشوف: “لم يكن لأحد أن يشك بأن للألمان الحق بتقرير مصيرهم، لكن كان يتوجب مراعاة مصالح الدول الجارة لها والمجتمع الدولي، وكانت أبرز مسؤولياتي هي ان استبعد احتمالية وقوع العنف، فعقدنا مفاوضات مكثفة مع هلمت كول،  المستشار الألماني الغربي، وكرينز وشخصيات أميركية وأوروبية بارزة، كان علينا أن نمنع رغبة الألمان في التوحيد من إحياء الحرب الباردة”.
 
الستار الحديدي
يمضي غورباتشوف قائلا: “كنا على تواصل مع زعماء سياسيين بألمانيا الديمقراطية، لكني لم أكن على اتصال مباشر مع الجيش، كانت تلك مهمة سفيرنا بأن يطلعنا، وبدقة قدر الامكان، عن ما يحدث، وعدم تقديم أية مطالب”. وعن مطالب ما بعد التاسع من تشرين الثاني بإعادة بناء الجدار، ذكر غورباتشوف: “لم أكن على علم بأي من ذلك، لكني لم استبعد احتمالية بأن البعض من عديمي الشعور بالمسؤولية أو جماعات مهمشة قد ناقشوا مثل هذه الفكرة الساذجة، فإن محاولة منع عملية تأريخية كهذه وبهذه الطريقة، تشبه محاولة ايقاف قطار عن طريق الاستلقاء على السكة”.
وعن سماحه بسقوط ألمانيا الديمقراطية وهي الحليف القوي لموسكو، في حين أنه كان أكثر حزما مع أماكن اخرى، كدول البلطيق سنة 1991 (إذ قمعت التظاهرات الليتوانية المطالبة باستقلال البلاد بوحشية)، أجاب غورباتشوف: “شاهدنا أن دولة ألمانيا الغربية سارت على طريق الديمقراطية بعد انهيار حكم هتلر، وأن الوحدة مفهومة، اليوم، وكما قبل 30 عاما، جاءت تلبية لرغبات منذ أمد بعيد لسكان المانيا الشرقية والغربية، ويمكنني القول وعبر العديد من الرسائل، بأن هؤلاء الناس لا يزالون يشعرون بالامتنان لدعم روسيا لهم، ولمن يوجه اللوم لي عن حمامات الدم في لاتيفيا وليتوانيا، أقول أنني كنت، وبصفتي رئيسا، وبالطبع مسؤولا عن كل شيء حدث هناك، لكن من يراجع وثائق ذلك الوقت، سيجد أني حاولت، على الدوام، أن أجد حلا سياسيا للنزاعات”. 
لدى سؤاله عن شكوكه بأن الجدار بين الالمانيتين سيسقط يوما ما، رد متسائلا: “هل تؤمنون بأن جدارا يفصل بين الشرق والغرب كان هو السيناريو المثالي لدينا؟ او كان انموذجا للمستقبل؟ لقد أوجدنا البيريسترويكا لنخرج البلاد من الطريق المسدود، لتزدهر الدولة والاقتصاد، وكنا بحاجة لعلاقات جيدة، ليس فقط مع جيراننا، بل مع العالم أجمع، ولم نكن بحاجة “لـلستار الحديدي”، وإنما أردنا التخلص من جدار عدم الثقة بين الشرق والغرب، وبين الدول ومجاميع الناس والأفراد”. 
وتابع قائلا: “لم أشعر بالندم على اتباعي سياسة البيريسترويكا، فقد كان من المستحيل العيش كما كنا سابقا، فجزء رئيس من البيريسترويكا هو نوع جديد من التفكير في السياسة الخارجية، وقد شمل القيم العالمية ونزع السلاح النووي الى جانب الانتخابات الحرة، فلم نكن لنمنع شعوب الدول المجاورة لنا من الالمان والتشيك والسلوفاك والمجريين من حقوق وحريات كنا قد منحناها لشعبنا”. 
 
تاريخ عصيب
لدى سؤاله “هل أصبح العالم أفضل اليوم مما كان عليه أيام الحرب الباردة”، أجاب غورباتشوف قائلا: “لا مشاعر حنين لديّ فيما يخص الحرب الباردة، ولا أتمنى عودة تلك الأيام على أي شخص، علينا الاعتراف بأنه وبعد انتهاء الحرب الباردة، فشل القادة الجدد بإنشاء بنية أمنية حديثة، لأوروبا على وجه الخصوص، بل نتج عن ذلك ظهور تقسيمات جديدة، وحوّل توسع الناتو نحو الشرق تلك الخطوط الى حدود روسيا”.
أوضح غورباتشوف حول اذا ما كانت موسكو قد تخلت عن مبادئ البيريسترويكا، سيما وإن الكثيرين في أوروبا ينظرون لأحداث روسيا بقلق، بقوله: “لا أرى أن الأوضاع مأساوية كما تصفون، فالناس تقدر حق تقدير التطور الذي شهدته البلاد، واليوم نواجه تحديا جديدا” العولمة”.
وعن موقف ألمانيا الموحدة تجاه روسيا، قال غورباتشوف: “من المهم أن يفهم الألمان، بضمنهم السياسيون، الروس، لقد عانت روسيا من الاستبداد والعبودية ونظام ستالين القمعي، تاريخ عصيب”، مضيفا “خلال ثمانينيات القرن الماضي، بدأنا بطريق الإصلاح، وحدثت أخطاء وفشل، لكن يمكننا الحديث عن الطريق الذي قطعناه لتحقيق الديمقراطية، ولن نعود الى نظام شمولي، بل سنمضي الى الأمام، باعتماد ما حققناه كأساس لنا، وسنحقق ذلك بروح المعاهدة التي وقعناها خلال توحيد 
الألمانيتين”.