مساعٍ لحماية الأسرة وكيانها من الانهيار

ريبورتاج 2019/11/30
...

بغداد / فجر محمد
 
كانت تقف على بعد امتار من احد مراكز الشرطة القريبة من محل سكن والديها، لكي تشتكي على زوجها الذي انهال عليها بالضرب والشتائم، العشرينية (س، و) كانت متورمة العينين وآثار العنف واضحة بشكل جلي على محياها، وتقول بصوت مرتبك وهي تحمل مجموعة من الوثائق والاوراق الثبوتية بيدها:"بدأ زوجي بضربي بعد ثلاثة اشهر من الزواج ولاتفه الاسباب، ولم تكن تجمعنا سوى لغة الصراخ والشتائم وظناً مني ان اسلوبه سيتغير الا ان الامور ساءت بشكل كبير. 
في البداية كنت اتحمل من اجل طفلتي الصغيرة لكن بمرور الزمن بدأ صبري ينفد، لذلك قررت ان اواجهه واحاول وضع حد لنزواته ولقسوته والعنف الذي يتصف به ايضاً، وفي احدى المواجهات فقد صوابه وبدأ بضربي بقسوة لذلك هربت انا وابنتي وتوجهنا الى بيت
 اهلي ".
القاضي ناصر عمران الموسوي يرى ان العنف الاسري مشكلة اجتماعية وثقافية قبل ان تكون قانونية لكون الكثير من العنف تجاه الشركاء والاولاد اصبح يعد ثقافة سلوكية يمتلكها رب الاسرة او اصحاب القرار واحياناً المتنفذ داخل العائلة، وهو غالباً مايكون مؤيداً بمفاهيم اجتماعية وثقافية مشجعة له، ولكن القانون يعطي الضحية الحق بالشكوى على من قام بفعل الضرب والتعنيف في أي مركز للشرطة سواء كان قريباً ام بعيداً مع وجود الادلة والبراهين التي تؤكد الحادثة وتثبتها في الاوراق الرسمية.
 
رحلة الشقاء
تجلس (س، و) وهي تحتضن صغيرتها ذات الثلاثة اعوام والدموع تملأ عينيها وهي تتذكر معاناتها وشقائها مع زوجها وتروي حكايتها قائلة:"اكثر ما يؤلمني في حكايتي هذه هي انني تزوجت بعد قصة حب طويلة دامت لسنوات، وعندما تقدم لخطبتي كانت هناك معارضة من قبل بعض الاقرباء ونصحوني ان لا ارتبط به لانه لا يتحمل المسؤولية، فضلاً عن عصبيته المفرطة لكنني لم استمع لنصائحهم وقررت خوض التجربة بغض النظر عن النتائج المترتبة عليها، لتبدأ بعدها رحلة العذاب معه التي اردت انهاءها باسرع
 وقت".
مديرية حماية الاسرة والطفل في وزارة الداخلية اكدت انه يتم استقبال المعنفات والمعنفين من قبل ضباط متخصصين مع مراعاة جنس الضحية، حيث تتم مقابلة المعنفات من قبل ضابط من العنصر النسوي ، وقد باشرت هذه المديرية عملها منذ عام 2010 وحتى الان اذ تستقبل المديرية الشكاوى وتبحث فيها ثم تحيلها بعد ذلك الى المحاكم المختصة ان لزم الامر. 
 
جيل مثقف
الباحث بالشؤون الاسلامية الدكتور جاسم الجزائري اشار الى ان القرآن والسنة النبوية دعما موقف المرأة وحثا شريكها على احترامها اسوة باخته وامه واي فرد من افراد عائلته، وان لا يتعامل مع شريكة حياته بالقسوة والعنف، فضلاً عن ان الرسول محمد(ص) قد اوصى بالنساء خيراً وفي حديثه الشريف يقول :"رفقاً بالقوارير فانهن سريعات العطب" ، وفي سيرة اهل البيت لاسيما الامام علي (ع) وكيف تعامل مع ابنة رسول الله فاطمة الزهراء(ع) بالمعاملة الحسنى والاحترام والتقدير اذ كان يساعدها في اعمال البيت وفي تربية الامامين الحسن
 والحسين(ع).
ويبين الجزائري ان الدين الاسلامي يحث النساء على التحلي بالثقافة والوعي لكي يربين اجيالاً ناجحة وواعدة وتتحلى بالمسؤولية والالتزام، علماً ان النساء في العصور الاسلامية كن يسعين للتحصيل العلمي والتفوق في دراستهن فضلاً عن تربية اولادهن والاهتمام
 بالمنزل.
 
محاكم الاستئناف
ارتأت رئاسة مجلس القضاء الأعلى أن تكون في كل رئاسة استئناف محكمة مختصة بالعنف الأسري بعد أن شكلت مديرية في وزارة الداخلية مختصة بالعنف الاسري، وتبين ان أكثر المشتكين الذي يراجعون المحكمة من الزوجات حيث يقمن بالشكوى ضد أزواجهن بسبب التعنيف مع ضرورة إبراز التقارير الطبية، لكن الغرض من تقديم الشكوى ليس الاعتداء او حماية نفسها بل يكون غالباً لإقامة دعوى التفريق بالضرر في محاكم الأحوال الشخصية والتي تشترط وجود دعوى جزائية تثبت حالة الاعتداء.
وتبين المحاكم ان ظاهرة العنف الأسري تحظى باهتمام التشريعات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لإرساء حقوق الإنسان ومواجهة هذه الظاهرة من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية، كما ان تنوع حالات العنف الأسري بين الضرب البسيط والضرب المبرح او على الوجه او احداث كدمات او استعمال آلات حادة يوجب أهمية القانون المختص بالعنف الأسري في العراق الذي اصبح ظاهرة مستفحلة في المجتمع، علماً انه عندما تكمل إجراءات التحقيق وتدون اقوال الزوجة من قبل الموظف المختص بالبحث الاجتماعي والقاضي و معرفة وضع السكن مع  زوجها وسماع اقوال الشهود مع تدقيق التقارير الطبية ان وجدت، تحال الأوراق الى القاضي
 المختص.
 
قوانين وضعية
القاضي الموسوي اكد ان القانون منح شرعية لاستعمال العنف و تماهى معه وترجمه في نص المادة (41 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والذي نص على اباحة استعمال العنف فجاء بالنص (لا جريمة اذا وقع الفعل باستعمال لحق مقرر بمقتضى القانون ويعني ذلك تأديب الزوج زوجته و الاب والمعلم ومن في حكمهما للاولاد غير البالغين في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً او عرفاً، فاستعمال العنف ضد القاصرين وقبله الزوجة استعمال لحق حيث اعتبره المشرع العراقي مباحاً، كونه حقاً للزوج والاب والمعلم و(من في حكمهما) وهذه العبارة تدخل الكثير من الفئات الاخرى في ممارسة هذا الحق كي تقوم باستعمال العنف طريقاً للتأديب ولا يعتبر فعله اجراماً وفق ما يحدده العرف او الشرع او القانون.
 
رؤية قانونية
 ويشير الموسوي الى ان  هناك تفسيراً للرؤية القانونية او الشرعية والاكثر العرفية  بشأن نوع العنف المستخدم والداخل ضمن إطار التأديب كحق، جرم الجرح والضرب والايذاء العمد في المواد القانونية (412،413، 415، 416 ) من القانون والذي تناول الايذاء والجرح والضرب الذي احدث عاهة مستديمة بقصد عمدي او دون قصد والايذاء الشديد او الخفيف والاعتداء الناتج عن اهمال أو عدم انتباه وكذلك عدم مراعاة للأنظمة والقوانين.
مدير مركز دار السلام العراقي الدكتور سامي شاتي يرى ان النساء المعنفات بحاجة الى الدعم والاسناد الاجتماعي خاصة اذا قررت المرأة الانفصال عن من يعيلها هي واطفالها هنا تكون بحاجة الى التشجيع من افراد المجتمع كي تخوض هذه التجربة لوحدها.