قراءة في رواية {بيروت، لبنان وموندريان»

ثقافة 2018/11/23
...

ضحى عبدالرؤوف المل
 
لخَّص الروائي "خالد جميل شموط " في روايته "بيروت، لبنان وموندريان" الصادرة عن "المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر" حرب لبنان، وملامستها المخيمات الفلسطينيّة التي أصابها ما أصاب الحرب اللبنانيّة من تمزّق في شرائحها، مستثمراً ما جاء في الصحف او ما خرج من الذاكرة، وبتفاعلات روائيّة فصلها كما فصل موندريان مربعاته بالخطوط والألوان مثيراً تحديد الهوية اللبنانيّة من خلال الأهداف المرسومة والموضوعة تحت المجهر الفاصل بين الأدب والصحافة دون أن يهتمَّ بصوت الوعي الإنساني، المعتمد على زرع القيم ومحو الضغائن، وبتمثيل لأبرز الأحداث التي وقعت بالفعل في المناطق اللبنانية، بتأرجح بين التقريريّة والمختبر الأدبي للسرد المتشكّل كلوحة موندريان وجغرافيتها. لأنّها الاستكشاف الفني لوقائع الاحداث اليومية للحرب اللبنانية ومورثاتها من القرن الماضي، وبنهج ذي خصائص إخباريّة تميّزت ببنية سردية ازدواجية تتوافق مع الأحداث التي تتجذّر في تاريخ الحرب اللبنانية وسلبيات خطوطها السوداء الشبيهة بخطوط لوحة موندريان وانعكاسات الاضداد فيها مستبدلا الايجابيّة بسلبيات كثيرة انطبعت بالحرب اللبنانية،  وبتشريح عكس نوعا من السيرة الذاتية التي استعرضها بداية كنوع أدبي  جزّأه دون أن يخبر سيرة ذاتية بأكملها!، بل  تقاطعت مع ما جاء في كتاب لورا ايزنبرغ "عدو عدوي" ليحافظ على القيمة المرجعيّة للرواية. إلّا أنّه سلّط الضوء على ذاتيته التحليلية للأحداث التي وقعت في لبنان، ويرويها من ذاكرة ملأها بصيغة التوليف الصحفي الروائي والمادة الفنية التشكيلية التي فرضها كلعبة تشهد على المتناقضات الاساسية بين الألوان الثابتة ومتغيراتها. أي بين الطوائف والمذاهب وصراعاتها التاريخيّة. 
 
تخاطب فنّي
يشعر القارئ في رواية "خالد جميل شموط " بتحرّر جزئي من الواقع الى الخيال، ولكن بالانتقال من حال الى حال من خلال قصّة حبٍّ فرضت على العاشق الباحث عن شخصية بشير التي أثارت كلّ هذا الشجن الروائي، وخرائطه الموزّعة عبر أمكنة ملأتها المليشيات 
المسلحة. 
 ليرسم الهجوم الشاروني بتناغم الواقع المستند الى الهوية الذاتية او بالأحرى التقريريّة،  كمادة حقيقيّة لا فصلَ فيها بين الواقع والخيال مثل قصّة سباق الخيل عام 1982، وبلغة تمّ تحديدها بتفصيل "لا شكَّ أنّه كان سيقول له إنّني أعيد عليه ذكريات المعارك والقتال والقصف والتفجير، قبل أن يقول أيّا من هذا بادرت بالقول أنّنا ننتظر صديقا لنقله معنا" ربما في هذا قد اتخذ شكلا من أشكال التخاطب الفني الروائي المرتبط بالتقرير الصحفي، كجزء من خطوط الهويات التي تعاني من آثار الحرب وأيديولوجيتها والغوص في معارك الأمكنة المنفصلة عن بعضها تبعا لتياراتها ومعتقداتها دون ان يسلك المسار النفسي في لوحته الروائية التي ابعدها عن التلاحم والانصهار المتخيّل بين الواقع والحدث المؤرخ بل!  فصل ما هو اخباري وما هو من مهام الصحفي الرواي الذي يطلّ على الحدث من شرفة وقائع الاحداث لحرب وقعت على أرض تفقدها شبرا شبرا في روايته هذه "إنّ آخر ذكرى لي في الملعب البلدي كانت عام 1982" فهل حاول خالد شموط تأريخ الاحداث الأبرز للمعارك الفلسطينية على أرض
 لبنان؟. 
 
خطوط زمنيَّة
يفتح "خالد شموط " مساحة روايته لخلق مربعات من القرن الماضي، لكن بنسب متباعدة، كأنّه يفصل بينها بخطوط زمنية يختزلها بأسلوب المعلومات الصحافية المتداولة وغير المتداولة او تلك التفاصيل الصغيرة العالقة بذاكرة الحرب المتقطعة بين حدث وحدث، ومكوّنات الحرب الكاملة الواضحة روائيا، لأنّها تؤرشف المراحل بنوع أدبي تقريري يتطلّب نوعا من المهارة والملاحظة والتحليل للوحة عصر الأحد، وغموض الايحاءات التي غرزها فيها بطل الرواية ولوحة موندريان "أمّا في لوحة عصر الأحد فهناك كمال في اللوحة كلّها، بالرغم من أن الألوان هي على طبيعتها الاساسية وليست مختلطة، تماما كما عن موندريان" فهل هذه رواية تحريرية ذات تنافس شديد بين الفن التشكيلي والروائي وبين الصحافي 
والادبي؟. 
ما اختزله "خالد شموط " في روايته لم تختزله الحرب اللبنانيّة،  لكنّه اختار ما يتناسب ولوحة موندريان من ألوان أظهرها في العمق الأسلوب التقريري الذي انتهجه، وبما يتناسب مع السيرة الذاتية التي تتخطى التاريخ وتؤرشف لحدث، بل وتضع الاصبع
 على الجرح الذي نزف وما زال ينزف في الماضي والحاضر.
 لأنّ الذاكرة تتمسك بما استقرَّ فيها دون وعيٍّ منها بل تسترسل بكلّ جزء محفور في زمن لم تغادره الرواية ولا لوحة موندريان.