د. جاسم حسين الخالدي
لم يكنْ مهرجانُ الكميتُ الثقافيُّ حدثًا عابرًا؛ بل إنَّه من المهرجاناتِ المهمّةِ الذي اقترن بطرح محورٍ نقديٍّ، لا يتعلقُ بالشِّعرِ وحده، وإنَّما يتناولُ أهمَّ القضايا الأدبيّة والنقديًّة على السَّاحةِ الثقافيَّةِ، وقد رافقَ انعقادَهُ هذا العام الحديثُ عن (القصّة العراقيّة الآن)، ولاسيَّما بعدَ الكلام عن تراجعِها وخفوتِ صوتها، ومن هنا جاءت أهميةُ هذه القراءة النقديَّة والمراجعة المهمّة للمنجزِ القصصي بعد عام 2003م.
وإلى جانبِ ذلكَ، يؤشّرُ مهرجانُ الكميتُ الثقافيُّ حالةً ثقافيةً لطالما افتقدها الفعلُ الثقافيُّ العراقيُّ، وهي رغبةُ الحكومةِ المحليَّة، واتحاد الأدباء المركزي، واتحاد أدباء ميسان إلى عقدِه في موعدِه المحدّد، على الرغم من سنواتِ التقشّفِ الَّتِي عاشها العراقيُّون في السنوات الأربع الماضية، وهي تؤسّسُ لتراكميَّة الثقافة وتواصلها وعدم انقطاعها، بعيدًا عن الفوضى في الفعلِ الثقافيِّ، فلطالما غبطنا الثقافةَ المصريَّةَ على تراكميتها وعدم انقطاعِها في ضروب المعرفة، فلم يُؤشّر في ثقافتِنا العراقيَّة أنَّ صحيفةً عراقيًّةً بقيت على قيدِ الحياةِ، أو تحوّلت إلى مؤسسةِ ثقافيَّة، تستطيعُ العيشَ على الرغم من التحولات السياسيَّة، على غرارِ مؤسسة (الأهرام) المصريَّة مثلًا، وربما انتبهت الثقافة العراقية إلى ذلك، فأصرّت على عقد مهرجان المربد، والاستمرار في تسلسلاته السابق، كما فكّرت في تأسيس مهرجانات فتيّة في أغلب المحافظات العراقية، ومنها مهرجان الكميت الثقافي الذي يعقد -هذه الأيام- دورتَهُ السادسةَ بحضورٍ محليٍّ كبيرٍ.
لقد انفردَت اللجنة القائمة على المهرجان، بأنَّها عملت على جمعِ الدراسات النقديّة في كتاب ضخم، وهو فعل ثقافي تكرر منذ انطلاقته حتى هذه الدورة التي رافقها صدور كتاب الدورة السابقة (مظفر النوّاب.. سفر إبداع شعري
يتجدد).
ومن أجل ديمومته واستمراره، على اتحاد أدباء ميسان أن يطرح محور المهرجان النقديِّ في شبكات التواصل الاجتماعيِّ ومن ثمَّ تلقي الدراسات، واختيار الأكثر نضجًا وتمثيلًا للمحور النقدي؛ لغرض ضمان مشاركة أوسع للباحثين والنقّاد، وهو أمرٌ معمولٌ به في المؤتمرات العلميَّة التي تعقدها المؤسساتُ
الاكاديميَّة.
فضلًا عن جمع القصائد الشعريّة التي تلقى في الجلسات الشعريّة في كتاب على غرار الكتاب النقدي، والاطلاع على النصوص الشعريَّة قبل القائِها، وبذلك نستطيع أن نغادرَ الهنات اللغويّة التي رافقت القاء بعضِ الشعراء، مما أخلّت بقيمة ما أُلقي فنيًّا، ورفعت التبرّم والضجر عن الجمهور الذي بُهٍتَ من حجم الأخطاء النحويَّة والصرفيَّة التي ارتكبها الشعراءُ، على خلاف ما هو معروف عنهم من أنَّ اللغةَ تُؤخذ من أفواههم.
إنَّ وزارة الثقافة العراقية مدعوة لأن تجعله مهرجانًا ثقافيًّا دوليًّا، على غرار مهرجان ( بابل) و (المربد)، بدعوة كبار الشعراء والنقاد عربيًّا وعالميًّا، للاطلاع على الثقافة الميسانيّة الضاربة في القدم. وبذلك يمكن أن يتعرّف المشاركون على واحدة من الأماكن المهمّة في العالم، وزيارة أهوارها، بوصفها المكانَ الأكثرَ تمثيلًا للجنوب وعاداته وتقاليده وثقافته.