حين نستعجل الرحيل

ثقافة 2018/11/23
...

باقر صاحب
أثار منشورٌ للشاعر المغترب فرج الحطّاب على صفحته الشخصية في الفيسبوك عن الشاعر والروائي الراحل محمد الحمراني (1970-2007) لمناسبة ذكرى رحيله الحادية عشرة، التي توافق يوم السادس والعشرين من تشرين الثاني، أثار حافزاً لاستذكار شاب ميساني مبدع رحل مبكراً جداً، الأمر الذي آلمنا كثيراً في وقتها، لأنّه لما يزلْ في أوج عطائه، وكان حماسه في الكتابة والتميّز ملحوظاً لدى كلّ من عرفه، وأنا كنتُ واحداً من أصدقائه، إذ التقينا كثيراً في قاعة حوار، ونشرت في حينها قراءة انطباعيّة عن روايته (الهروب إلى اليابسة).
الحمراني كان غزير الإنتاج، فمن مطبوعاته الشعريّة اثنتان ؛(خطر) و (عواصف قروية)، ومن الروايات أربع؛ (أنفي يطلق الفراشات) و (الهروب الى اليابسة) و (النائم بجوار الباب)، و (حجاب العروس) نشرتها دار المدى بعد رحيله بمدّة.ذكرنا هنا الحماس العالي للراحل الذي يعكس روحاً وهّاجة تسعى بقوة إلى أن تأتي بجديد، حماس يسنده الحطاب في منشوره بأنّ الراحل كان عجولاً دائماً، يأتي بزيارات خاطفة إلى بغداد، ومن ثمَّ يعود سريعاً إلى مدينته ناحية السلام جنوب العمارة، وتساءل  الحطاب.. هل هذه العجالة اليوميّة في حياة الحمراني هجس خفي بموته المبكر. كان يشكو من أعراض لأكثر من مرض، ولكن هل تطامن القدر مع  هاجس الرحيل، فلم تمهله الأمراض طويلاً. يقول الحطاب "استهوتكَ حركة بغداد ودخان مقاهيها وسجالات أدبائها وصخبهم. كنتَ تتحرّك في عَجلة من أمرك دائما، لأنّك كنتَ تريد العودة إلى العمارة مسرعاً. تأتي محمَّلاً بالقصائد والمقالات والمشاريع والأحلام، توزّع كتاباتك بين الصحف والمجلات، تلتقي بالأصدقاء وهم يسبغون عليك محبّتهم، تناقشهم على عجلٍ ثمّ تتسلل ليلاً إلى الجنوب كالطيور المهاجرة، فلا يراك أحدٌ حتى الرحلة المقبلة. لِمَ كنتَ دوماً على عجل يا محمد؟".
ولكن هل يستدعي رحيله المبكر نسيانه المبكر أيضاً. الأمر لا يتعلق بالحمراني فقط، وإنّما بمجموعة شباب مبدعين رحلوا في أوج عطائهم، مثل المغدورين: أحمد آدم، ورعد مطشر، ومثل الراحل بحادث مروري مؤسف: حبيب النورس، هؤلاء سيُنسون تماماً إذا لم تبادر المؤسسات الثقافية المتخصصة بطباعة أعمالهم غير الكاملة المنشورة والمخطوطة في مجلدات أنيقة.
وهنا يتجدّد سؤال: فيما إذا كان ولو افتراضاً أن نتاجات الشباب الراحلين عامّة، ليستْ من الأهمية الإبداعيّة كي تستحق التوثيق، هل نمضي قدماً في ذلك أم لا، هل سَتوّثق احتراماً وتصوراً أن أعمارهم لو طالت بهم لكانوا حققوا إبداعاً يشار له في المحفل الثقافي؟.
 أعتقد أنّنا لن نخسر كثيراً لو وثّقنا أعمال الشباب غير المكتملة مشاريعهم، لماذا؟ لأنّنا بذلك سنحفّز أدباءنا شباباً ومخضرمين على المضي في إنتاج الثقافة، لأنَّ هناك من سيخلّدهم في فعالية ثقافية– جائزة أو مهرجان أو طباعة ما أنجزوا كلية وباهتمام.