عبد الجبار العتابي
ذات يوم من ايام شهر تموز العام 2000 ، وجدت الناقد الموسيقي الراحل عادل الهاشمي (1946 - 2011) منزعجاً بعض الشيء ، حاولت ان اعرف سبب انزعاجه، لكنه سلمني ورقة كان قد كتبها، ففوجئت انها كانت ضد الملحن الكبير طالب القره غولي (1939 - 2013) ، اعترتني الدهشة لانني اعرف ان الهاشمي كان قد دفع الى المطبعة كتاباً يتحدث عن عبقرية القره غولي، يحمل عنوان "وعد اخضر في الاغنية العراقية" وهو دراسة تحليلية لحياة واعمال وقوالب الاغنية العراقية التي يعتبر القره غولي من رموزها الكبار، استغربت قيام الهاشمي بمهاجمة القره غولي بشدة لاسباب مختلفة دونها في الورقة التي اخذتها منه للنشر .
قال الهاشمي : منذ اكثر من عقدين من السنين اطلقت على الملحن طالب القره غولي وصفاً بأنه اخطر الملحنين العراقيين في العصر الحديث، وما زلت مؤمناً بهذا الوصف ولن اتراجع عنه، غير ان المدهش في الامر ان هذا الموقف لن يلقى صدى طيباً عند القره غولي، فهو لم يفتأ يردد عبارة اكل عليها الدهر وشرب وهي "ان الناقد الهاشمي يهاجمني دوماً ولا ادري ما هو
السبب!!"
وطالما دبجت مئات الصفحات في كتابة التحاليل النقدية عنه، وكان رده العملي على صنيعي مزيداً من الطعن والاذى والتخريف، وانا لم اتوقع منه ان يقف مني موقف الحياد ،فكيف التأييد ؟، فلن تنقضي خلافات القره غولي ولن تنتهي ملامح انكاره للبعض وانكار البعض له، واصارحكم ان القره غولي بقدر ما يملكه من موهبة متفردة تعز على غيره من الملحنين ، فإنه مولع بجهل لا
يصدق!، و من علامات هذا الجهل انه يرد على رأي لم يقرأه مطلقاً، انما سمعه من هنا وهناك، وتلك لعمري واحدة من اخطر الآفات التي تفتك بالفنان، تلك التي يدير فيها ظهره لشيء اسمه القراءة ويفتح كامل شهيته لشيء اسمه
السماع.
واضاف: ومن علامات جهله انه يعتقد انني اكتب النقد الذي ينبع من دوافع شخصية، ولقد علمتني تجربتي الطويلة انني لا اتضايق مطلقاً من مثل هذا الموقف ، بل انا اتوقعه خاصة وانا احمل سيرة نظيفة عبر ثلاثة عقود من
السنين .
وواصل الهاشمي هجومه متطرقاً الى سبب آخر قائلاً : ومن العلامات التي تخلق الانطباع على استهانته بالوقت، انه يجلس دائماً من الساعة الواحدة ظهراً وحتى الثامنة مساء او ما يزيد يلعب (النرد) في استوديو الرواد ، فكيف يتسنى له التعلق باطراف العلم الموسيقي والدخول في ساحة المناقشات الساخنة والحامية بشأن مستقبل الاغنية العراقية، وكيف تتسنى له الزراعة بيديه الماهرتين لاجمل الازهار في الحقل الغنائي الذي ينتمي
اليه ؟
ثم اذا كان هذا حاله فكيف يتسنى له التركيز على الثقافة الموسيقية، تلك هي الاساس في تطوير اداته التعبيرية والبنائية ،فإن الموهبة لوحدها لا تصمد مهما كانت جليلة القدر وليس هذا فقط ما كتبه الهاشمي بل زاد عليه لكنه ختم ما قاله بنصيحة "ان يعود الى فنه بعيداً عن الانشغال المحموم بالمهاترات" مع رغبة من الهاشمي "ان لا يحطم دورنا المشحون بالتعاطف معه في مواقف تقلل من شأنه الكبير في بناء الاغنية
العراقية ." كتاب عادل الهاشمي "وعد اخضر في الاغنية العراقية" لم ير النور للاسف لانه (ضاع) في دار الشؤون الثقافية العامة كما اخبرني الهاشمي !!