جملة أسئلة تراودني وانا ابحث عن اجوبة بشان حقيقة استمرار الجهود الاوروبية لتذليل العقبات والمشكلات التي تعترض التوصل لحل بين طهران وواشنطن يعالج تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، خصوصا في ضوء المبادرة الفرنسية التي تقدم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفيما اذا كانت باريس مستمرة في هذه الجهود ام لا، واين تقف هذه الجهود من الملفات الاقليمية ؟ .
لقاء شخصية اوروبية تتحدث عن ملفات الشرق الاوسط وتحديدا عندما تكون ايران في مركز هذه الملفات امر في غاية الصعوبة والمشقة خصوصا اذا كانت هذه الشخصية سياسية عليمة بما يجري خلف الستار وتحمل معلومات عن الموقف الاوروبي .
صحيح جدا ان اجوبة هذه الاسئلة تخدم الجانب الايراني، لكن الصحيح ايضا انها تخدم الوضع السياسي والامني في منطقة الشرق الاوسط برمته. وعندما يقول الايرانيون ان جميع الاطراف المعنية بالاتفاق النووي يجب ان تتحمل تداعيات الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي فان ذلك يعني انهم لا يريدون تحمل تبعات هذا الانسحاب، وهو ما يعطي اهمية لاي اتفاق قد يحصل بين طهران وواشنطن وانعكاساته على المنطقة.
محدثي هو سياسي اوروبي من احدى دول الترويكا الاوروبية، مطلع على الملف الايراني وغير بعيد عن المبادرة الفرنسية التي تنازع في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن. ويحمل معلومات عما دار بين الاوروبيين والاميركيين بشان الملف الايراني والاقليمي اضافة الى تقييم الترويكا الاوروبية للموقفين الايراني والاميركي .
قال: ان الجانب الاوروبي يدير مبادرته انطلاقا من ثوابت محسومة لديه وهي ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب ليس لديه نية القيام بمواجهة عنيفة مع ايران ان قبل الانتخابات الاميركية او في حالة فوزه بهذه الانتخابات، وانه يود عقد اتفاق مع ايران يستطيع تقديمه على انه يتضمن قضايا لم يتمكن الرئيس السابق باراك اوباما من معالجتها في الاتفاق النووي. في المقابل، الجانب الايراني لديه رغبة مماثلة بعقد مثل هذا الاتفاق على الرغم من وجود دوائر معينة قد تكون غير متحمسة لذلك في الوقت الراهن .
محدثي يرى ان المشكلة الاساسية في مسار المبادرة الاوروبية تكمن في « جدولة الخطوات المتقابلة »، والية بحث الشق الاقليمي الذي ينبغي ان يرافق او يتزامن مع اي بحث في الملف النووي، لكنه اكد على تمسك الجانب الاوروبي بالاتفاق النووي بما في ذلك بريطانيا خلافا لما يتوجس منه الايرانيون من تغيير قد يحدث في السياسة البريطانية اذا ما خرجت من الاتحاد الاوروبي، مشيرا الى ان رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون اكثر وضوحا في ضرورة الحوار مع ايران من سلفه وان كان يتوسل اسلوبا مختلفا من خلال قناعته بانه ينبغي اشعار الرئيس الاميركي بانه صاحب القرار والقادر على عقد اتفاق غير مسبوق مع ايران .
وراى وجود اسباب اكثر عمقا تجعل بريطانيا متمسكة بالاتفاق النووي بعد البريكست وهي ان انهيار هذا الاتفاق سوف يضع منطقة الشرق الاوسط على حافة سباق التسلح وهذا يعني تقويض الاستقرار الاقليمي في الوقت الذي تقتضي المصالح الاوروبية بشدة للاستقرار في هذه المنطقة لاسباب تتعلق بتدفق النفط والانكفاء الاميركي عن المنطقة. اضافة الى وجود اسباب اضافية مبدئية ترجح التمسك بالاتفاق وهي ضرورات نظام « القواعد العالمية » التي تضمن لاوروبا مكانة عالمية في وجه الاصدقاء كالولايات المتحدة والمنافسين كروسيا في ان معا.
واستمر محدثي في القول دون ان اقاطعه سعيا مني لسماع فصول هذه القصة التي تهم دول وشعوب هذه المنطقة، ان الجانب الاوروبي يتحرك وفق خطة متدحرجة زمنيا تتضمن مراحل متتالية، مكررا ان المشكلة ما زالت تكمن بمن يبدأ في تنفيذ التزاماته اولا بموجب كل مرحلة وان هذه العقبة تحديدا هي التي يتم العمل على تذليلها حاليا .
الخطة تبدأ من رفع جزئي للعقوبات النفطية الاميركية مقابل عودة ايران عن بعض خطواتها التصعيدية في برنامجها النووي. وبمسار مواز يتم تاسيس « الية الحوار الاقليمي » بعدها يتم الانتقال للمرحلة الثانية وهي الغاء ايران لجميع خطواتها التصعيدية في برنامجها النووي مقابل الغاء جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على ان يتم توسيع نطاق الحوار الاقليمي جغرافيا وموضوعيا لتشمل الصواريخ البالستية، مع اعادة نظر جزئية لبعض التوقيتات الحساسة كمهلة توريد الاسلحة لايران التي تنتهي في اكتوبر 2020 اي قبل اقل من شهر على الانتخابات الاميركية .
ويقول محدثي ان قضية مستعصية ما زالت تلوح في الافق وهي قضية اسرائيل وسوريا ولبنان التي ترفض ايران مناقشتها في حين لا تمانع من مناقشة قضية اليمن. وهذه القضية تعتبر هاجس الرئيس ترامب واللوبي الاسرائيلي في واشنطن. لكن يمكن تقديم انجاز معين للرئيس ترامب وهو ما يطلبه قبل الانتخابات.
ودعت محدثي وانا افكر في امكانية نجاح هذه الدبلوماسية التي يراد لها الطبخ على نار هادئة بعيدة عن الاضواء على خلفية المواقف الايرانية التي ادعي معرفة مفاصلها .