الحكومة.. أيّة حكومة في العالم، ليست معصومة ولا هي من فصيلة الملائكة، إنّها تخطئ احياناً، والفرق الوحيد بين الحكومات أن بعضها يخطئ بنسبة 18 % بينما تصل نسبة البعض الآخر الى 81 %، أسوق هذه المقدمة لكي اشير الى ان لي في ذمة الحكومة مبلغ (10) آلاف دينار بعد أن اخطأت احدى دوائرها معي في الحساب، وهو مبلغ زهيد جداً لا يساوي اكثر من نفر كباب في مطعم شعبي، وقد فكّرت بالتخلي عنه لأنّه – بالتأكيد – لا يستحق المراجعة ودوخة الرأس لولا أنّ الشيطان وسوس لي وذكّرني بأن ميزانية الدولة بفضل الله عامرة، وتفوق ميزانيات (الاردن ولبنان وسوريا) مجتمعة، ومع ذلك قلت لنفسي (عيب يا رجل تخلي عقلك ويه عقل الحكومة، خاصة وافضالها عليك كثيرة)، ولكن الشيطان اللعين وسوس لي بسؤال خبيث (لو كانت الحكومة تطلبك الف دينار فقط، اي علبة ببسي كولا مثلاً، هل كانت ستقول لك روح محلل ماهوب.!)، طبعاً ما كانت لتتنازل عن حقها او دينها، فلماذا أتنازل عن ديني وميزانيتي التقاعدية دون خط الفقر؟! وهكذا حزمت أمري ودفعت (3) آلاف دينار أجرة تاكسي الى الدائرة المعنيّة.. وهناك قدمت طلباً (عريضة) بمبلغ ألفي دينار كما طلب مني موظف الاستعلامات، ولكن موظفة الحسابات أخبرتني بأدب جم وهي تعتذر، أنّها غير قادرة على تسليمي المبلغ الذي في ذمتهم إلّا بعد الاطلاع على وثائق تُثْبِتُ أنّني الشخص الدائن مثلاً، وكانت محقة، وكان حُسْنُ الحظ من جانبي، ومن باب التباهي وضعتُ امامها هويتين احداهما صادرة من نقابة الصحفيين العراقيين والاخرى عن الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق تُثبِتُ أنني (قاص وروائي) – للأمانة التاريخية اعترف بأن شعوراً بالزهو قد أخذني، فالرجل الذي يقف امام الموظفة هو ابن السلطة الرابعة ورمز من رموز الثقافة والادب، سيدفعها الى الاعتذار وتطلب مني الجلوس ريثما تنجز معاملتي بأسرع وقت – نظرت الموظفة الفاضلة الى الهويتين واعادتهما لي وابتسامة رقيقة علتْ شفتيها ثم قالت لي (العفو أخي هذي الهويات مو رسميه، يعني بدوائر الدوله ما معترف بيها)، شعرت بالزهو الذي ملأ كياني قبل دقائق يتناثر فوق الارض وتحت احذية المراجعين.
شكرتُها بعد ان اوضحت لي ما هي المستمسكات الثبوتية المطلوبة، وعدتُ أدراجي الى منزلي وقد دفعت (3) الاف دينار أجرة التاكسي وفي اليوم الثاني أخذت معي (الجنسية وشهادة الجنسية والبطاقة التموينية) وقد كلفني استنساخها (3) الاف دينار.. ودفعت (3) الاف دينار اخرى أجرة الذهاب الى الدائرة، وسلمتُ اوراقي الرسمية الى الموظفة التي شكرتني لأنني مواطن متعاون، ولكنها اعتذرتْ لعدم وجود بطاقة السكن، سألتها (الا تكفي الجنسية وحدها لاثبات اسمي) (تكفي، ولكن هذه هي تعليمات الوزارة لأنها لا تثق بالمواطن) بدوري أدركت لماذا لا يثق المواطن بالوزارة، وهكذا دفعت (3) الاف دينار وعدت الى المنزل (بالمناسبه انا اسكن في الفندق منذ اربعين سنة)، وطلبت من المشرف عليه تزويدي بورقة تؤكد سكني عندهم الا انه اعتذر فذلك من صلاحية مالك الفندق الموجود في الخارج حالياً، وسألني عن سبب طلبي فشرحت له الحكاية، ضحك ومد يده في جيبه واخرج (10) الاف دينار (اترك الموضوع استاذ لانه لا يستوجب مثل هذا التعب) قلت له: لن اتخلى عن حقي مهما كان الثمن وأنا ارفض الصدقة منك او من غيرك، صمت الرجل مستغرباً و.. مازلت أُتابع القضية..