جدل واسع بشأن التطبيقي والإحيائي في المدارس الإعدادية

ريبورتاج 2018/11/24
...

 بغداد/ رلى واثق
 
«في الوقت الذي ينتظر فيه العراقيون بشكل عام والكوادر التعليمية والطلبة بشكل خاص اصلاح المنظومة التعليمية التي تحتاج الى مجموعة من التغييرات للارتقاء بمستوى التعليم جاء قرار التطبيقي والاحيائي للمرحلة الاعدادية، اذ يعمد الى تقسيم طلبة الخامس والسادس العلمي الى علوم احيائية وعلوم تطبيقية لتحقيق التنوع العلمي»، هذا ما قاله الاستاذ (م.  ن) في احدى مدارس بغداد، مردفاً بقوله: «هذا الاجراء وضع المدرس واولياء الامور والطلبة في حيرة من امرهم، في اختيار القسم المناسب بالدرجة الاولى وفي النتائج المترتبة عليه اثناء اعلان القبول بالجامعات لاحقا.وهو اجراء غير سليم على الاقل في المرحلة الحالية، اذ يحتاج الى تأهيل وتثقيف في الجانبين النفسي واللوجستي».
ومن جانبه يقول ايثار عبد الصاحب الذي مازال تحت تأثير صدمة اعلان نتائج القبول في الجامعات، اذ بعد عناء طويل ودراسة متواصلة لم يحصل ولده على النتيجة المرتقبة،» هذا النظام تسبب في حالة من الاحباط لدى ابنائنا الطلبة وجعل طلبة السادس في حالة ذعر مستمرة حتى لو كانت معدلاتهم مرتفعة، فطالب العلوم الاحيائية حتى لو حصل على معدل بالتسعين يحصل على قبول في كلية الطب البيطري، اما طلبة العلوم التطبيقية فسيصدمون بالصعود الكارثي لمعدلات القبول بالمجموعة الهندسية باعتبارها افضل ما يمكن القبول فيه بالنسبة لهم بعد ان تم حرمانهم من المجموعة الطبية، وهكذا يضيع جهد السنوات في نظام فاشل لم يتمكن من حفظ حقوق الطلبة».
ويوضح الطالب حسن عبد الله: «معاناة هذا النظام الدراسي تبدأ من الخامس الاعدادي، اذ على الطالب تحديد مصيره وان اخفق في عشر الدرجة عليه ان يدفع الثمن غاليا ويستغني عن طموحه، فمن الممكن ان تكون النتيجة احد المعاهد!».
 
دراسات للارتقاء بالتعليم
وكيل وزارة التربية طلال الجبوري بين : «من الصعب الغاء قرار نظام التطبيقي والاحيائي للدراسة الاعدادية بعد تطبيقه من غير الرجوع الى المختصين للبحث فيه، مع الاخذ بنظر الاعتبار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كونها من سيستقبل مخرجات وزارة التربية، هذا وان القرار نابع للارتقاء بالتعليم ومستويات الطلبة العلمية، مؤكدا ان هذا الاجراء وطني اكثر من كونه قرارا وزاريا».
ويضيف الجبوري: «هناك مطالبات كثيرة لالغائه من قبل بعض الطلبة واولياء الامور، فتجري الآن الوزارة دراسة لتأجيله لحين استكمال البنى التحتية والادوات الخاصة لاتمامه بالشكل المطلوب، لكن لم يحسم الامر، وعليه فالقرار نافذ ومعمول به حتى الان».
ويردف الجبوري: «في حال اجراء تعديل او تبديل لهذا النظام الدراسي فسيكون القرار ليس لوزارة التربية فقط وانما يشمل الجهات المعنية، فالقرار جاء بعد دراسات عميقة واطلاع على تجارب الدول التي تعتمده، فمناهج التدريس والاساليب التعليمية في تطور دائم، علما ان هناك بلدانا تعتمد انظمة دراسية اكثر تعقيدا مما عليه في العراق».
 
قرار غير مدروس
نقيب المعلمين عباس السوداني يدلي برأيه حول قرار التطبيقي والاحيائي بقوله: «اعترضت نقابة المعلمين منذ صدور القرار لاسباب عدة اهمها ان وزارة التربية لم تأخذ بعين الاعتبار رأي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تطبيقه، وباعتباره  تجربة جديدة كان لابد من تطبيقه في احدى المحافظات لتكون انموذجا للتعرف على سلبيات القرار وايجابياته، فان كان بالامكان معالجته او الغاؤه ان كان الضرر  كبيرا على المعلم والطالب، متأسفا لتفرد وزارة التربية 
بالقرار».
ويستطرد السوداني: «نتج عن القرار غبن لحقوق الطلبة، فالطالب الذي يحصل على 96 بالمئة لا يقبل في المجموعة الطبية، فما يجري اليوم هو جريمة بحق الطلبة ومستقبلهم، فاليوم ينتمي الى كليات الطب من يحصل 
على 100 بالمئة».
ويتابع السوداني: «نحن مع التجارب العالمية وتطبيقها للارتقاء بالمستوى العلمي لطلبتنا، لكن لابد من التهيئة المسبقة للموضوع، فالتعليم العالي كانت غير مستعدة لتطبيق القرار، اذ ان كليات الطب  غير مهيأة  لاستقبال اعداد كبيرة من الطلبة، وبالوقت ذاته فالدرجة الواحدة تغير مصير طالب، وعليه فان القرار كان غير مدروس بجميع اتجاهاته».
 
لم يحقق أهدافه
مستشار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محسن عبد علي يوضح: «وجود نظام التطبيقي والاحيائي فرض باجتهاد شخصي من قبل وزارة التربية دون ان تكون هنالك دراسة معمقة عن مدى اهميته وتطويره للواقع العلمي في البلد، اذ هنالك 53 نظاماً تربوياً موجوداً في العالم تعتمد على العلمي والادبي والمهني ولايوجد ذكر للتطبيقي والاحيائي».
ويضيف: «تطبيق هذا النظام كان باصرار من وزارة التربية واجبرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على التعامل معه دون اخذ رأيها، وهو نظام جديد على الواقع العلمي في البلد ويجب ان تكون له تجربة في محافظة او مديرية تربية وتقييم مدى نجاحه ومن ثم تعميمه على جميع المدارس، في حين ان تعميم التجربة كان قسرياً دون اخذ اراء المشرفين التربويين او الخبراء او
المدرسين».
عبد علي يؤكد : «ان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رفضت نظام التطبيقي والاحيائي منذ اليوم الاول لتعميمه والتصويت عليه في هيئة الرأي بالوزارة كونه قرارا غير مدروس وفيه كثير من السلبيات، ولايوجد انسجام بين الاختصاصين وخلق لنا ازمة كبيرة في المعدلات التي حصل عليها الطلبة الذين انهوا الدراسة الاعدادية، رغم وعود الوزير السابق بأن هذا النظام سيسهم في خفض المعدلات ويرفع مستوى الطلبة ويعمق الجانب العلمي ويضمن رصانة التعليم، وجميعها لم
تتحقق».
ويتابع: « وفد من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مكون من 30 مستشارا وعميد كلية ووكيل وزارة قابل اكثر من جهة ومن ضمنها المرجعية الرشيدة ممثلة بسماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، لمناقشة مساوئ هذا النظام على التدريسيين وأولياء الامور والطلبة، وعليه تم تشكل لجنة في وزارة التعليم لدراسة موضوع تعميم التطبيقي والاحيائي من كل جوانبه ورفعنا تقريرا متكاملا الى هيئة المستشارين بأن النظام يحتاج الى ايقاف فوري والعودة الى النظام التربوي السابق (العلمي والادبي)».
ويردف عبد علي قوله : «هذا النظام فيه مخالفة قانونية كونه غير موجود في السلم التعليمي، ولايوجد تخصص في المرحلة الاعدادية في كل دول العالم مثل ما موجود في العراق بنظام التطبيقي والاحيائي، كما ان التعليم العام لايوجد فيه تخصص اطلاقاً، علما ان هذا النوع من الانظمة في المدارس التخصصية طبق في ليبيا لمدة سنتين وفشل ومن ثم تم ايقافه».
 
إعادة النظر بالنظام
ويرى عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان زيدان خلف العطواني: «جميع الدول في حال تعميم اي تجربة جديدة في البلد يجب ان تكون هنالك نماذج منها موجودة في باقي الدول، فان تعميم تجربة التطبيقي والاحيائي على جميع المدارس وبوقت قياسي تسبب بحصول غبن كبير لابنائنا الطلبة، خصوصا مع التغيير المستمر في المناهج كل عام».
ويختصر العطواني بقوله: «على وزارة التربية اعادة النظر بالموضوع ودراسة نماذج عالمية يمكن ان تسهم بتطوير الجانب العلمي ومعرفة الافضل منها والذي يتناسب مع الوضع في
البلد».
 
مشاكل التطبيقي والاحيائي
رئيس لجنة التربية في مجلس محافظة بغداد علي العيثاوي يتفق بالرأي مع من سبقه بقوله:
«ان تعميم نظام التطبيقي والاحيائي تسبب بمشكلة كبيرة في مخرجات وزارة التربية الى التعليم العالي، وألحق غبنا كبيرا للطلبة المشمولين بهذا النظام في  المعدلات التي حصلوا عليها ولم تؤهلهم لدخول الكليات التي كانوا يطمحون بالدخول
اليها».
العيثاوي يؤكد: «وجود سعي لإعادة نظام العلمي والادبي المعمول به سابقاً، فالوزارتان كانتا معتمدتين عليه منذ عقود وأعدت الكليات الموجودة في الوقت الحالي على هذا الاساس، هذا وقد فاقم هذا النظام المشاكل في الابنية والصفوف المدرسية التي تعاني بشكل اساس من نقص كبير فيها، ناهيك عن الاعباء المالية التي اثقلت كاهل وزارة التربية كطباعة الكتب وغيرها والجهود المضاعفة للطلبة، ما ولد عاصفة من الرفض العارم لتطبيق هذا النظام والمطالبة بالغائه».

 

ويختتم العيثاوي حديثه بمطالبة وزارة التربية: «باعادة النظر بهذا النظام وتجربته في بعض المديريات والمدارس قبل تعميمه وتقييمه ومعرفة مدى ايجابياته على الواقع العلمي في البلد، مؤكداً اننا مع اي تطور مدروس في النظام التعليمي في البلد على الا يؤثر هذا التطور في المستوى التعليمي للطلبة ومستقبلهم، وان توفر الوزارة البيئة الموجودة في الخارج من ملاكات تدريسية وبنى تحتية وابنية مدرسية متطورة ونموذجية قبل تطبيق نظام معقد يمكن ان يحبط الطلبة ويصعب مهمتهم ويؤثر سلبا في مستقبلهم، فالملاك التدريسي الذي اسندت اليه مهمة ايصال المواد الدراسية في نظام التطبيقي والاحيائي يحتاج الى دورات كثيرة ومكثفة لايصال المادة الدراسية بشكل سهل ومبسط للطلبة بدلا من التعقيد الذي رافق هذه التجربة غير المدروسة».