اختتم مؤتمر السرد مساء الجمعة فعالياته وسط اهتمام كبير من الأوساط الثقافية والإعلامية وبمشاركة كبيرة من النقّاد العراقيين.
إذ بدأ منهاج اليوم الثاني والأخير في الساعة العاشرة صباحاً بقاعة زها حديد في اتحاد الأدباء.
وشارك في الجلسة البحثيّة الثانية (السرد يقتنص التاريخ) والتي كان رئيسها الدكتور أحمد مهدي الزبيدي ومقررها الدكتور جاسم محمد جاسم، كلّ من الباحث ناجح المعموري بورقة بحثيّة عن (التاريخي والسردي في النقد- فاضل ثامر أنموذجا)، قال في بعض منها: النقديّة العراقيّة الحديثة التي اعتمدت على الفكر والمعرفة وتمظهرت عن وعي واضح لما عرفته نظريات كاملة الحداثة، وهو ما تضمنته المقدمة المهمّة للأستاذ فاضل ثامر في كتابه (التاريخ السردي) وبدت فيها ثقافته الرصينة والمعرفة الخاصة بما بعد الحداثة عن الرواية والتاريخ.
التاريخ النسوي
أمّا الدكتورة نادية هناوي فتحدّثت ورقتها النقديّة التي بعنوان (المذكرات بين السرد والتاريخ) عن التوثيق والتخييل ـ وهذا ما يجعل التعامل مع التاريخ بوصفه مادة سرديّة متخيلة ليس مجرد تمسرب افتراضي تتجلّى فيه ازدواجية اصطلاحية تجمع التاريخ بالسرد وتمثلها الرواية التاريخية كنشأة رياديّة؛ بل هو أيضا نفضٌ لموثوقية التاريخ الرسمي، وافضاء باتجاه المحكي الشعبي بما يجعل الماضي متفاعلا مع الحاضر الذي يتجه صوب المستقبل برؤى فكريّة وتموضعات جمالية خاصة، يعبّر عنها بتمظهر اصطلاحي ما بعد حداثي هو ( رواية التاريخ).
وسلّطت الضوء على واحدة من أشكال توظيف المتخيل التاريخي هو (التاريخ النسوي) الذي به تتمّ عملية إعادة إنتاج المادة التاريخيّة لتكون وسيلة سردية إطارها التاريخ وموضوعها المرأة، وتتنوّع هذه الموضوعة التاريخية فقد تكون شخصية تعاد كتابة سيرتها أو الترجمة لها وقد تكون حدثا او واقعة تتمّ التأرخة لها من وجهة نظر نسوية وقد تكتب امرأة أديبة سيرتها الذاتية بنفسها لتكون بمثابة مادة من مواد التاريخ النسوي.
وإذا أردنا أن نحدد للتاريخ النسوي مفهوما قلنا إنّه فرع معرفي من فروع دراسة التاريخ، طاله الشجب وحُكم عليه بالحجر فغُيّب حضوره وازدريت وظائفه ليهمل توثيقه ويصبح من منسيات النظام الأبوي العتيد، الذي أحاط هذا التاريخ بالكتمان وطمره وأهال حوله الستور فظلّ محجورا وممنوعا، طيلة عهود الكتابة. لا لشيء سوى أنّه اقترن بالنسويّة هادفا إعلاء فاعليتها وإزالة اللبس عنها ورفع النقاب عنها، محاولا وضع حدّ للحيف الذي طال حضورها.
التميّز والمغايرة
بينما قدمت الدكتورة سافرة ناجي بحثاً بعنوان (مرويات الجسد في السرد العراقي).. وجاءت دراسة الدكتور فاضل عبود التميمي عن (الماضي ألبوم سرديات)، وقال في بعض منها: لا شكّ في عناية الروائي (سعد محمد رحيم) في بناء تقانة تجريبيّة في (ما وراء الرواية) من خلال تقديم جملة من الرؤى التي تحمل نقد الرواية، أو تحمل فكرة عن بنائها، وهو يشرك المتلقي في تلقيها، والتفاعل معها ضمن مسار منعزل عن نصّ الرواية أي تقديم نصّ لاحق على نصّ سابق كي يؤكد سردها، ويقدمها باطار فاعل جديد يشي بوعي التحديث المطّلع على ثقافة ما بعد الحداثة.
وركّز الناقد على حضور فكرة توازي (ما وراء الرواية) في متن (ظلال جسد...) في شكلين سرديّين مختلفين، تجريب أعطى للروائي السبق في كتابة نصّ سرديّ شهد للمؤلّف بالتميّز والمغايرة. إذ اعتمد المؤلّف (سعد) جملة من الرؤى النقديّة في متن الرواية جلبها من مقولات النقد الحديث كي يستدل بها على صحة السرد ودلالاته، فهو يعيش فيها متعتي الوصف الخاص بالرواية، والتخيّل الذي له سلطة تشكيل نصّ منظّم بوساطة استرجاع المعاني، وإعادة تركيبها، وإنتاجها على وفق رؤية متقدّمة تتولى الجمع بين ما هو حسيّ، وعقليّ في مهمّة لا يقوى على توصيفها الكاتب نفسه.
أما الدكتور وسام العبيدي فكانت ورقته النقديّة بعنوان (المحو لا يشطب التذكّر)، وتناول إشكالية قارّة في المتن الروائي الحديث غربيّه وحديثه، ألا وهي إشكالية التذكّر والنسيان، فالنصوص الروائيّة تحفل بهذه الثنائية التي تعمل على إدامة فعل السرد، من خلال استعراض أحداث يفترض الراوي وقوعها من قبل، ومن ثمَّ سردها على لسان شخصيات رواياته، على اختلاف في كمية ذلك الاستذكار بين شخصية وأخرى، بحسب أهمية ظهور تلك الشخصيات على مسرح الرواية.