بغداد/قحطان جاسم جواد
منذ كتابيه "التجربة الروائيّة في العراق في نصف قرن" و "الرواية في العراق وتأثير الروائيّة الاميركية" لم يتوقف الدكتور "نجم عبدالله كاظم" عن متابعة الرواية العربية عموما، والعراقية خصوصا، متابعة أخذت طريقين متلازمين، الأول جمع وقراءة مايصدر من روايات عراقية، والثاني قراءتها ونقدها في ضوء المناهج والنظريات النقدية المتجددة ثانيا، وهو بهذا عمل على تقديم رؤية مكتملة عن السرد ونقده.
وفي كتابه الجديد الموسوم "جماليات الرواية العراقية" الصادر عن دار شهريار وبواقع 224 صفحة من القطع المتوسط، يبحر د.نجم في عوالم مغايرة. فهو يختار أعمالا روائيّة من أجيال عدة، منذ ستينيات القرن الماضي وصولا الى آخر عمل صدر في عام 2014، ليقدم مساحة اوسع في فهم التاريخ الروائي العراقي من جانب، والتحولات التي طرأت على هذه الرواية من جانب ثان، وقراءة النص الروائي من جانب ثالث. في هذا الكتاب يصل المؤلف الى نتيجة مهمّة هي أن معظم ما صدر من روايات عراقية تشترك في أمور ثلاثة. الاول التزامها بتقاليد فنيّة ربما جاز القول انها جزئيا (تقليدية). والثاني وعلى خلاف مايراه البعض ممن ينطلقون من نقص في الاطلاع، ارتباطها بشكل او آخر، بالواقع وبما جاز لنا معه القول إنّها كانت واقعية. والثالث إنّها في (تقليديتها وواقعيتها) قد استفادت من عطاء المدارس والمذاهب والتيارات الحديثة مما منح هذه التقليدية والواقعية أصالة وحيوية متجددة تفرغهما مما قد يراه فيها البعض من سلبيّة. فاذا كانت التقليدية، وفق دلالتها الاجتماعية وربما النظرية المجردة، وحتى الأدبية العامة، تعني التبعيّة الآلية لكل ما تواضع السابقون عليه وانتقال المتبع من قيم وغيرها من جيل الى جيل، وبما يجعلها احيانا عبئا بل ربما سُبّة احيانا، فإنّها هنا إنّما تعني التوفر النوعي على تقاليد تمّ التوصل اليها عبر سنين طويلة واجيال متعاقبة من الأدباء واعداد هائلة من الاعمال، ومن ثمَّ لايكون كسر بعضها او تجاوزه إلّا بوعي وعلى يد من امتلك موهبة ووصل بتجربته ما يمكنه فعل ذلك، وتثبيت ما قد سيكون تقاليد أخرى بدلا منها.
وبخصوص الواقعية يشير الدكتور نجم الى أنّ معظم أعمالنا الروائية اتسمت بالواقعية، ولعلّ من ميزات هذه الاعمال التي تمتصُّ حياتها من تراب الواقع، أنّها تستفيد ايضا من عطاء المدارس والمذاهب الاخرى في وقت يصعب فيه على اعمال ضمن تلك المدارس أن تفعل الشيء نفسه مع الواقعيّة إلّا بحدود. وهذا ينطبق على الاعمال الروائية العراقية الناجحة، التي شيّدت عوالمها من الواقع ووفق تقاليد فنيّة راسخة. كما الحال مع روايات (النخلة والجيران، والرجع البعيد، والظامئون، والسفينة والمبعدون، ومكابدات عبدالله العاشق، والعالم ناقصا واحد، وشاي العروس)، ولم ينجح او يتميّز من الاعمال التي خرجت عن ذلك إلّا عدد محدود منها (الوشم، و نبوءة فرعون، وكانت السماء زرقاء، وخاتم الرمل، والغرف الاخرى).
الكتاب يتضمن اربعة فصول الأول منها يحمل عنوان "الرواية العراقية، واقع وظواهر واتجاهات. تناول فيه المؤلف في أربعة مباحث هي الرواية العراقية في نهاية قرن وبداية قرن جديد. والرواية النسوية العربية في العراقية. وأنفاس التيار الستيني في الرواية العراقية. وتحولات الواقع والمكان والانسان في الرواية العراقية.
في حين كان الفصل الثاني بعنوان "جماليات الرواية العراقية" ودرسها المؤلف من خلال اتجاهين، الاول جمالية الشخصية في الرواية العراقية، وجمالية الحوار في الرواية العراقية. وحمل الفصل الثالث عنوان "الرواية العراقية في فضاء الأدب المقارن"، ودرس فيه المؤلف تأثير كافكا على الرواية العربية في العراق، والكافكويّة في روايات محي الدين زنكنة، وما تبقى من اميركا في المتخيل الروائي العراقي. اما الفصل الرابع فقد تناول فيه الدكتور "نجم عبدالله كاظم" خمس روايات عراقية هي رواية عبدالخالق الركابي "من يفتح باب الطلسم" وبحث فيها من خلال الحس الدرامي وتراكم الموروث الشعبي، كما تعرض الفصل الى روايات أخرى.