شيماء عماد زبير
كنّا في غاية الاستعداد ونحن نفترش (الرحلة) بالأغراض المطلوبة من قبل معلمة العلوم، إذ بدا لنا أنَّ درس اليوم فيه من الترقب الكثير، الأغراض كانت (طبقاً من البلاستيك، ومقدار قبضة كف اليد من البقوليات المجففة وقطناً وقدحاً بلاستيكياً)، بدا المشوار بأنْ يذهب طابور الطلبة في الصف متتابعين لنملأ الأقداح بالماء ثم نعود سريعاً بعدها بدأنا بوضع طبقات القطن في الطبق ثم حبات البقوليات نفردها فوق القطن المندى في نسق متباعد بعدها طُلب منا أنْ نأخذ الأطباق معنا الى البيت وعندما يحدث أمر غريب وتتغير الحبات المنثورة نجلبها معنا للمعلّمة (انتهى الدرس)! تدهورت وتدحرجت وتبعثرت معنوياتي كثيراً وطافت حولها غيمة غضبي.. ما هذا؟
- كل الشغف والترقب تبخر، ماذا يعني نراقب الحبات حتى يحدث تغير؟
- وماذا يعني أنْ نضع في الطبق الماء كل يوم وبمقدار معين، وإنْ نسينا لا بدَّ أنْ نعوض ونستدرك سريعاً؟
- ما هو التغير المرتقب؟
- وما علاقة القطن بالماء بحبات البقوليات؟
كل هذا يدور في رأسي الصغير ولا جواب؟
انفجر فمي ببنات شفاههِ منذ فتحت والدتي باب البيت وأنا عائدةٌ من المدرسة أطرح الأسئلة ولم أسكت؟! أذكر أني كنت ألمح في عينيها الاستغراب مثلي واكتفت بالقول “لا بدَّ أنْ أنفذ تعليمات المعلمة” وأخذت الطبق من يدي وطلبت أن أضع حقيبة المدرسة جانباً وبعد ذلك وضعنا الطبق في رف شباك الغرفة خلف الستارة كانت المساحة كافية ومستقرة ثم وضعت والدتي بجانب الطبق قدحاً فيه ماء وقالت حتى لا أنسى ان أضع قطرات الماء المحسوبة كل يوم، إصرار والدتي ان يكون الطبق قريباً من مصدر الشمس جعلني أشك انها متفقة مع المعلمة (هكذا كنّا نُعظم الأمور
ببراءة الطفولة).
مرَّت الأيام تباعاً وأنا ألتزم بصب الماء على البذور، أصابني الملل مرت عشرة أيام ولم يحدث تغير، وقررت بغضب صباح أحد الأيام أن أرمي الطبق بالذي فيه! لأَنِّي لا أحب الكذب، لماذا تكذب المعلمة وتقول سيحدث تغير ولا شيء، مرت عشرة أيام، نهضت صباحاً وكلي عزيمه لأنفذ ما قررت فتحت الستارة فذهلت !!
كيف تنبت حبات الحمص الناشفة على القطن؟!
إنها تنبت حقاً في كل حبة برعم أخضر!؟
إذن كنت أصب الماء لينبت ووضعناه في الشمس لنفس الغرض! يا الله، نزلت أحمل الطبق بفرح مجنون فاستقبلني والداي وهنآني ببراعمي، أدركت أنهما كانا يدركان تماماً ما هو التغير الذي أدركته بالتجربة والمعايشة في ما بعد (انتهت حكايتي).
اليوم كثيرٌ منا يعاني جفاف العواطف ولا توجد في حياتهم مشاعر حب ساخنة حتى وان كانوا متزوجين، فيما اذا عذرنا العزاب منا، من يعيش بهذا الجفاف كم يشبه حبه الحمص أو الباقلاء الناشفة غادرتهم الحياة وفجأة يأتيهم مكانُ يغرسونَ فيه ربما حادثة غير منطقية تقودهم لاخضرار القلب والحياة من جديد، كما القطن بديل التراب في حكايتنا موقف غير منطقي يحكم عليهم وهم رافضون غير مقتنعين بأنَّ هناك أملاً في مكان ما تنبت فيهم الحياة والمشاعر وبتقدير الله يأتيهم ماء سقاية هذا الحب لينبت من قطن أو تراب بمنطق أو من دونه فإذا بالحياة تتغير، بالصبر والتعايش والصدق والداعمين المحبين يبزغ من القلب برعم أخضر رغم جفافه ورغم اننا كنا نظن بأنَّ لا جديد في
الحياة.
انتظروا فاذا رزقكم الله بالحب فاصبروا عليه حتى ينبت. الحب يحتاج للشمس للصدق ويحتاج للأمان والاهتمام والسقاية فإن نسيتم فاستدركوا وإن استغربتم ولم تعقلوا ان الحب يصيبكم ليكن هدوء العقل تسكينة النفس مرجعكم في ما تشعرون، انتظروا حباً مبصراً يسعد قلوبكم ولا تتحسروا على حب أعمى لم يزركم حتى الآن.