طوائفُ البلاد المتعدّدة تلغي احتفالاتها تضامناً مع شهداء التظاهرات

ريبورتاج 2019/12/24
...

بغداد /ـ فجر محمد
في ليلة الميلاد تكون اجواء الكنيسة دافئة ومليئة بالاشجار المزينة التي تعلن عن قدوم عام جديد حافل بالخير والمحبة، بهذه العبارات استهلت الاربعينية داليا لؤي حديثها وبينما هي تزين شجرة الميلاد الصغيرة التي تضعها في ركن هادئ من المنزل تكمل قائلة: "لكن هذا العام قررنا الاحتفال في المنزل فقط وتزيين شجرة الميلاد وزيارة الكنيسة فقط، اذ قرر مجلس رؤساء الطوائف المسيحية الغاء مظاهر الاحتفال بهذا العيد تضامنا مع الوطن وما يشهده من احداث عصيبة، على الرغم من ان هذا القرار مؤلم لنا لاعتيادنا على اجواء العيد المبهجة التي تشهدها الكنيسة لكن التضامن مع الوطن الذي نحن جزء مهم منه هو امر لا بد منه وهو واجب علينا.
 
قدسية الاعياد
وقرر مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق إلغاء الاحتفالات الخاصة  بأعياد الميلاد ورأس السنة، احتراماً لدماء المواطنين الذين سقطوا في التظاهرات التي تجتاح البلاد منذ أكثر من شهرين، وكانت نسبة المسيحيين في البلاد قد قلت بشكل كبير بسبب أعمال العنف التي طالت عددا كبيرا منهم في أرجاء البلاد خاصة في محافظة نينوى
 و بغداد.
كما شاركت  طائفة الصابئة المندائيين الذين ينتشرون في انحاء البلاد المختلفة في تضامنها ومؤازرتها اذ قامت قبل فترة قصيرة بالغاء احتفالاتها بعيد الازدهار تضامنا مع الاوضاع التي تعيشها البلاد، وقال رئيس الطائفة المندائية في العراق والعالم الشيخ ستار جبار حلو في تصريح
 لـ "الصباح" :
" لقد اعتدنا في كل عام ان نشارك اخواننا المسلمين والمسيحيين والايزيديين اعيادهم ومناسباتهم الدينية، وفي عاشوراء لنا مشاركات في هذه الطقوس الجليلة حيث نذهب الى كربلاء والنجف ونعزي بهذا المصاب الأليم، اما هذا العام  فقد ألغينا كل مظاهر الفرح، ويحتفل الصابئة بعيدهم الصغير وهو(عيد خلق العالم الارضي وازدهار الكون وخلق ادم وحواء) بطقوس ومراسيم مختلفة احياء لقدسية هذه المناسبات العظيمة لدى
 الصابئة".
 
تجمع عائلي
تضع الاربعينية داليا امامها المكونات التي تحتاجها لعمل كعكة الميلاد والمعجنات المختلفة التي تعطي للعيد مذاقه الخاص، وتقول
 موضحة:
"قبل العيد بأيام قليلة تبدأ العوائل بتهيئة وتحضير المعجنات والحلويات لكي تتناغم مع المناسبة وتزرع الفرحة والابتسامة على محيا الجميع لاسيما الاطفال الذين يبتهجون بهذه التقاليد المرتبطة بالعيد، كما ان عادة التزاور بين العوائل في ايام العيد تزيد وتقوي الاواصر والروابط الاسرية بشكل كبير، ومن الطقوس المهمة التي ترافق الاعياد هي انشاد الترانيم والتراتيل الخاصة بهذه المناسبة الجليلة اذ تضفي جوا من القداسة والبهجة ويغرس الامل والفرح في قلوب الناس ويبشرهم بيوم وبداية جديدة ومثمرة.
عادات مختلفة
يختلف الاحتفال بعيد الميلاد من دولة الى اخرى ففي النمسا تقوم طقوس بعض المواطنين في عيد الميلاد على إخافة الأطفال بشخصية "كرامبوس"، الذي يعتبر واحدا من أعداء "بابا نوئيل" الذي يعاقب فيه الأهالي الأطفال سيئي
 السلوك. 
أما جارتها ألمانيا فيكافئ فيها الطفل الذي يجد قطعة المخلل المعلقة في شجرة الميلاد بهدية صغيرة، بالإضافة إلى تناول تلك القطعة التي عثر عليها، أما في إسبانيا فإن ألعاب اليانصيب المعروفة باسم "جوردو"، التي تجري في 22 من ديسمبر من كل عام وتعد من أكبر مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد
 المجيد.
اما البريطانيون فيحتفلون بارتداء ملابس سانتا كلوز، ثم النزول إلى البحر على الرغم من وصول درجة حرارة الماء إلى درجة البرودة المتجمدة، و في سويسرا تتم مطاردة "سانتا كلوز" طوال ساعتين داخل المدينة.
وفي فلسطين يتم الاحتفال بولادة السيد المسيح من خلال إجراء ترتيبات لمراسيم قداس منتصف الليل في الكنيسة، وتبث الأغاني والترانيم باللغة العربية قرب ساحة المهد المشهورة، ويجتمع الناس في انتظار وصول موكب بطريركية القدس إلى المدينة، ثم يبدؤون بالتقاط الصور لشجرة الميلاد الضخمة والمزينة بأجمل أنواع الزينة والأضواء على وقع استعراض الكشافة في المدينة.
 
طائفة الايزيديين
في العراق توجد طائفة اخرى مهمة تعرضت للقمع والاضطهاد من قبل الدواعش وهم الايزيديون الذين قررت مجالسهم الاجتماعية على اقتصار مراسيم العيد لدى الايزيديين وتضامنا مع شعبنا العراقي في بغداد والمدن الجنوبية على اداء المراسيم الدينية والغاء كل مظاهر الاحتفالات في عيد الصوم وطبق هذا الامر في بعشيقة
 وبحزاني.
وبين مدير ادارة المجلس الاجتماعي الايزيدي في بحزاني خدر سليمان حمو لعدد من وسائل الاعلام ان الايزيديين وتضامنا مع شعبنا العراقي الغوا كل مظاهر الاحتفالات في عيد الصوم، اذ اقتصرت مراسيم العيد على اداء المراسيم الدينية
 فقط.
 
الانتماء للوطن
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية الدكتورة ندى العابدي تجد انّ ما يميز العراق هو وجود مجموعة من الاديان والمذاهب والطوائف المختلفة، وفي كل العالم ان وجدت هذه الميزة فهي دليل على قوة وتماسك البلاد، اذ ان هذا التعدد ولد الحضارات والثقافات التي كان لها الاثر الاكبر في تطور العالم وانارته بشمس المعارف، كما ان التنوع الثقافي والديني تحت خيمة الوطن الواحد يجعل من هذا البلد اكثر صلابة وتماسكا، لاسيما عندما يشارك ابناء الوطن الواحد بالرغم من اختلافاتهم في مناسبات وافراح واحزان بعضهم البعض، على الرغم من  الصفحات السوداء التي مرت على تاريخ البلاد فضلا عن المؤامرات والخطط التي قام بها الارهابيون والقتلة وتجار الدم كانت تحاول القضاء على وحدة الطوائف والاديان في العراق الا ان الانتماء للوطن كان هو
 الاقوى.
وتلفت العابدي الى ان إلغاء الاحتفالات الاساسية من قبل تلك الاديان يعني احترام مشاعر اخوتهم في الاديان الاخرى.
 
امل جديد
الثلاثيني حسن فاضل يرى ان اعياد الميلاد ليست خاصة بالمسيحيين فقط بل بالعراقيين جميعا من منطلق التضامن والتآزر الذي اعتاد عليه ابناء الوطن الواحد، بالرغم من تعرض البلاد باديانها وطوائفها ومذاهبها الى حملات القمع والترويع، ويقول حسن:
"لا يمكن ان ننسى الظروف القاهرة التي عشناها بدءا بالتفجيرات التي كانت تضرب المناطق وصولا الى دخول عصابات داعش الارهابي الى البلاد عندما كان يحصد ارواح المئات بجرائم القتل التي ارتكبها، ومع كل هذا ما زالت اديان وطوائف البلاد تحتفي بأعيادها كي ترسم البسمة والامل الجديد على شفاه ابنائها.