بخصوص السنيور دي لابينيا

ثقافة 2018/11/26
...

 
 ترجمة: جودت جالي
 
1
يشرف القصر الذي كان مهجورا لعشرين عاما على ضاحية القرية من مكانه على الجرف الصخري، حيث هبات الرياح تطارد بعضها بعضا في لعبة وحشيّة، وحيث البحر يضرب الجرف بقبضات من الماء لا نهاية لانتثارها وشكواها. انتهى العمال من ترميمه منذ شهر وسرعان ما وصلت عشرون شاحنة محمّلة بالأثاث لغرفه العشرين. أصاب العديد من القطع التلف عند إنزالها فظلّت مركونة الى جدار الرواق في مدخل المبنى، وقد راقب وصولها البواب والطباخة والبستاني وخادمة غرف النوم الذين أجّرهم المالك الجديد مسبقا. تنهّدت الطباخة "لا بدَّ أن من سيأتون ليسكنوا القصر يعادلون كتيبة" وهزّ الآخرون رؤوسهم بحزن. ولكن في آخر الموكب لم يكن يوجد سوى سيارة واحدة وليس فيها سوى السنيور الجديد (دي لابينيا) تنهّد البستاني "كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ". وافقت خادمة الغرف بحماس "بالتأكيد كان يمكن أن يكون أسوأ".  
2
قالت خادمة الغرف "إنّه صبي، مجرد طفل" وهي ترتّب شعرها وتحاول رؤية نفسها جانبيّا في زجاجة النافذة. قال البستاني وهو يترك بيريته المبتلة بالعرق على منضدة المطبخ ويمسح جبهته بمنديل كبير أحمر وأصفر "حسن. صبي بوجه رجل عجوز. من كان يتصور..." وتابع ليخبر كيف أنّ السنيور دي لابينيا قد أصرّ على إخفاء أصص الورود بين أوراق النخيل "فضلا عن..." وأضاف وهو ينظر نظرة ذات معنى الى خادمة الغرف "هو لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه". 
3
أعلن البواب الذي يعمل أيضا خادما خصوصيا للسنيور "إنّه رجل بسيط من أهل الله. مدفون في كتبه هنا، بملابسه التي تشبه ملابس قسيس، ودائما يتحدّث بأسلوب هل تسمح بأن تتفضل عليَّ....، وأرجوك أن تكون بغاية اللطف بحيث....، وجزيل الشكر، وحتى يطلب منّي العفو حين أسكب القهوة عليه". وضعت الطباخة يديها على وركيها "ملابس قسيس! كان عليك أن تراه وهو عائد راكبا حصانه! وسخ كلّه وجزمتاه مغطاتان... تتاري! هذا ما أقوله... ثمّ طلب منّي شراب الروم، واللهجة القذرة التي استخدمها، تماما دون سبب، إيه... حتى زوجي الميت..."! قال البواب وهو شارد الذهن يعد بعض القطع النقدية "مهلا.. مهلا! كل واحد يمكن أن تمر به لحظة سيئة." 
4
قال البستاني ضاربا المنضدة بقبضته "رجل عجوز. أقول أنه رجل عجوز. وعار أن يتحدث المرء عنه وراء ظهره". صرخت خادمة الغرف "إصغوا اليه. رجل عجوز! إنك لذو بصيرة! إن كنت تصرح بهذا علنا. حسن... ولكن أي شيء آخر..." قاطعها البواب محاولا تهدئة الوضع "حسن جدا. أصلع قليلا وله وضعه الخاص ولكنه ليس عجوزا حقا.. كونه أشقر.." قاطعته خادمة الغرف "أصلع وأشقر؟ أسود، هندي!" وهي تنظر الى الأعلى تُشهد السماء، وكاد أن ينتهي الأمر بينهما الى تبادل اللكمات عندما اعترض البواب، الذي قرأ في حياته قليلا وهو مثقف على وجه العموم، قبضة الطباخة المولعة بالقتال وطلب الهدوء. قال "شيء غريب جدا. من الواضح أننا نتحدث عن أربعة أشخاص مختلفين. وإذا ما فكرنا في الأمر دقيقة فإننا أربعتنا رأيناه مرة واحدة فقط، عندما وصل. ملفوف بالفراء حتى ليمكن أن يكون دبا. أتساءل إن كان يوجد ثلاثة دجالين في هذا البيت؟ أقترح أن نذهب أربعتنا ونراه فورا. إنه في مكتبه، تركته للتو هناك".
ولكن الطباخة إقترحت أن ترسل أولا الى شقيق زوجها شرطي القرية، وأكثر من هذا، أن يختلس الخمسة
 النظر اليه من نافذة المكتب. 
5
كان السنيور دي لابينيا جالسا الى منضدته، ولكنه لم يكن يكتب. مستند برأسه الى ظهر كرسيه العالي، ساكن في وهج المنْوَر الرصاصي. قال البستاني المندهش "أجل. ذلك هو السنيور..إنه صبي". غطت خادمة الغرف وجهها بيديها "أنت على حق. إنه عجوز مرعب". تراجع البواب خطوة وهو يرسم إشارة الصليب على صدره وهمس "إنه شيطان خالص". إما الطباخة فقد حدقت، ويداها على مئزرها، كالمنبهرة بجمال السنيور دي لابينيا. ثم أمسك الشرطي ردنها بانزعاج ، مبديا علامات نفاد الصبر " ما الذي تنظرون اليه؟ لا يوجد هناك شيء إطلاقا سوى كرسي فارغ".
* عن The eye of the heart, short stories from latin America
Elisio Diego (1920-1994) شاعر كوبي حصل على الثناء لشعره الغنائي وقصصه القصيرة وحاز على جائزة خوان رولفو في العام 1993. ولد في هافانا وتوفي في المكسيك، وهو والد الكاتب إليسيو ألبرتو.