الثقة في زيارة البارزاني

آراء 2018/11/26
...

د. سعد العبيدي         
لم يصطف القوم في العراق منذ تأسيس دولتهم، مكوناته تتصارع بطريقة التسقيط، والازاحة والتفرد، طريقة ثبت فشلها وما زلنا نتمسك بها. في مجالها، اعتاد الأكراد على سبيل المثال طرح أفكارهم وتطلعاتهم، واعتادت بغداد الشك بها حال طرحها لتبدأ المناورة والرفض حتى قبل التمحيص. ويوم تقتنع بتلبية بعضها يزيد الأكراد سقف مطالبهم اعتقادا بسنوح الفرصة. هذا واذا ما اقترب الطرفان من صيغة اتفاق على متوسط من المطالب، وانتقلوا الى التنفيذ ستجد في الطريق موظفين يضعون العصي في عجلة الاتفاق ويعيدونه الى الصفر لأسباب أغلبها انفعالية شخصية، والأمر ذاته مع التركمان وغيرهم من باقي الأقليات. وبالمحصلة وبعد ما يقارب القرن من الزمان على تأسيس هذه الدولة العراقية التي نشأ مع نشأتها الخلاف، وكأن من أنشأها خطط ليبقى الخلاف، لم تهدأ، ولم يتفق الشركاء يوماً، ولم ينظروا الى أنفسهم وباقي الشركاء في دولتهم نظرة دولة، ولا نظرة إنسانية تقيم عليها الدولة، جميعهم هكذا، فالعرب الذين يشكلون غالبية السكان مثلاً ينظرون الى باقي المكونات نظرة تصغير، يعتقدون بضوئها أن لهم الفضل في وجود الآخرين بينهم، وعلى الآخرين تنفيذ ما يريدونه منهم ضمن محيط دولة يريدون احتكار إدارتها والتحكم بمواردها، وفي المقابل، ينظر الأكراد الى العرب أو الى المركز أي بغداد، نظرة توجس وعدم اطمئنان ترقى الى مستوى الإحساس بالاستعباد حد المقت في بعض الأحيان، وكذلك الحال بين التركمان والعرب وبين التركمان في كردستان والأكراد. جميع المكونات في واقع الحال هكذا، لا يختلف أحد منهم عن الآخر، لاسيما عندما يكون في موقع التمكن والسلطة.  لقد تصرف العرب مع الأكراد بطريقة خطأ وأوجدوا كرهاً لهم وللدولة، وتصرف الأكراد مع العرب والتركمان عندما امتلكوا سلطة في محيط اقليمهم بنفس أساليب الاستعلاء وكونوا كرهاً، وهكذا الحال بالنسبة الى المسيحيين وباقي الأقليات.
إنها نظرة وإن أتهمت بها نظم الحكم السابقة، وإن أفتت أحزاب المعارضة العراقية إبان حكم صدام الديكتاتوري وسياسيوها الكبار، بأنهم فوق تلك النظرة الأحادية وإنهم يؤمنون بالفيدرالية والتعددية ومنح الحقوق، لكنهم في الاجمال وعندما استلموا الحكم ونزلوا الى أرض الواقع، عادوا الى مورثات التفكير وخزينه فوجدوا أنهم يثورون إذا ما طالب شريك لهم بأرض قال كانت يوماً لأجدادي، وبالمقابل فان هذا الشريك يقفز من على الواقع الفعلي لتداخل الأراضي والمصالح والأقوام ويطالب بأراضٍ لم تكن يوماً أرض أجداده، أو أنها تغيرت وتغير ساكنوها منذ مئات السنين، ولم يعد منطقياً تثبيت دعواه.  
ان هذه الأساليب أوجدت عدم ثقة بين عموم المكونات، إذا لم يلتفت لها سياسيو الدولة فإن الخلاف سيستمر وستتجزأ البلاد عن طريق الحروب وستعم الخسارة جميع المكونات. 
الحل يبدأ من إعادة الثقة ومن الايمان بأن للجميع حقوقا في هذه البلاد.