قرأتُ قبل يومين أو ثلاثة دعاية عن عمل الحكومة الجديدة تُصنّف في خانة الدعاية الرديئة، إذ يتحدّث كاتبها عن أن الحكومة الحالية انطلقت من نقطة شروع ممتازة، بإعلانها عن فتح المنطقة الخضراء أمام أبناء العاصمة، وتحويل مكتب عمل رئيس الوزراء إلى خارج الخضراء، وإقرار المبالغ التكميلية في رواتب الحشد، وأخيراً مبادرتها لتوزيع أراضٍ سكنية على المواطنين في بغداد والمحافظات جميعاً!
أحد خصائص الدعاية الرديئة أنها تضرّ أكثر مما تنفع، وربما أغلب أصحاب هذه الكتابات وأمثالها، يجهلون أن صناعة الإعلام والدعاية والرأي العام في العصر الحديث، مرّ على قواعدها وتقنياتها حوالي مئة عام من الآن، فقد ظهرت مثلاً أول مجلة فصلية مختصة بالرأي العام في أميركا، سنة 1937م، وفي السنة نفسها أُنشئت عدّة معاهد لقياس اتجاهات الرأي العام، كان أبرزها معهد غالوب.
المواطن العادي يتعامل بوجدانه، ولكي يمتلئ هذا الوجدان، ويتحوّل إلى قناعات تصدّق بالتحوّل والتغيير، يحتاج إلى منجزات شاخصة. ومن المؤكد أن فتح الخضراء من عدمه، ليس من بين تلك الشواخص، خاصة وان تأريخ هذه المسألة اكتسب طابعاً دعائياً أكثر منه عملياً، كما تكشف محاولات سابقة على هذا الطريق قام بها بريمر والمالكي والعبادي. على أن نقل مكتب رئيس الوزراء خارج الخضراء لا يحلّ المشكلة، بل يعقدها، وهو يضيف على المواطن البغدادي وزحمة العاصمة، أعباء منطقة أمنية جديدة، تضاعف الاختناقات المرورية التي باتت لا تُطاق في هذه
الأيام.
أما المبالغ التكميلية في رواتب الحشد، فالمفترض أنها حقوق لهذه الفئة المضحية، ومن ثمّ فهي ليست منّة، ولا ينبغي للحقوق أن تخضع للدعاية والمزايدات السياسية، تماماً كما في بقية حقوق المواطن من صحة وتعليم وفرص عمل إلى بقية الخدمات، هذا إذا كانت هذه المبالغ المضافة قد وصلت إلى المعنيين
فعلاً!
بشأن السكن وتوزيع الأراضي، فما أحرص عليه لسمعة الحكومة الجديدة وعملها، أن لا تسقط بذهان السهولة، لأن ردود الفعل ستأتي عنيفة من المواطن، عندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة. بمقدور هذه الحكومة أن تعرض المبادئ العامة لمعالجة السكن، لكن المبادئ وحدها لا توفّر السكن على الأرض فعلاً، بل تحتاج إلى خطط عمرانية وهندسية واضحة وبالمليم، ثمّ أن الخطط وحدها لا تصنع سكناً حتى لو اجتمعت على وضعها عقول هندسية بارعة، مثل الراحل محمد علي الشهرستاني والراحلة زهاء حديد ومحمد مكية وأضرابهم من العراق وخارجه، ببساطة شديدة لأن الخطط تحتاج إلى برامج تنفيذ واضحة، دقيقة ومحدّدة، وهذه البرامج تتطلب من بين ما تتطلب موازنات وأجهزة تنفيذ ورقابة ومتابعة.
أخيراً، ليس الإعلام أماني ورغبات، وليست الدعاية مركومة من الألفاظ أو التجارب المجرّدة، بل هي فن يستند إلى علم ومعرفة وقواعد، فلنرحم الحكومة ونعينها بالتسديد والترشيد رحمكم الله!