قوميّة الهوي تعاني ضغوط الدمج الثقافي

بانوراما 2020/01/03
...

ستيفن لي مايرز
ترجمة: بهاء سلمان
تعمل الحكومة الصينية على سلب أكثر أشكال الإيمان الاسلامية علانية في واد رائع يقع شمال غرب البلاد، حيث غالبية القاطنين هم من المسلمين المتدينين. فقد هدمت السلطات قباب الجوامع ومناراتها، بضمنها منارة كانت تنتصب وسط قرية صغيرة بالقرب من مدينة لينشيا، يطلق عليها {مكة الصغيرة}.
ونفّذت حملة مشابهة في مقاطعات منغوليا الداخلية وهينان ونينغشيا، التي تعد موطن أكبر الأقليات المسلمة في الصين المعروفة باسم أقلية الهوي. وعلى امتداد المناطق المسلمة الواقعة بين بكين ونينغشيا، حظر المسؤولون الاستخدام العلني للنصوص باللغة العربية.
وتمثل هذه الحملة الجبهة الأحدث بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم بتسجيل التراجع الكاسح للحريات الدينية الشخصية، بعد عقود من انفتاح نسبي سمح خلالها بالمزيد من الأشكال المعتدلة للاسلام بالإزدهار. وتنتشر الاجراءات الصارمة حاليا ضد المسلمين والتي بدأت مع قومية الايغور في شينجيانغ لتشمل مقاطعات أخرى ومجاميع مختلفة.
ويبدو أن دافع هذه الحملة هو خشية الحزب الحاكم من احتمال أن يؤدي التعلّق بالعقيدة الاسلامية الى ظهور تطرّف ديني وتحد مفتوح للسلطة. ويفرض الحزب الشيوعي الصيني حاليا اجراءات جديدة مقيدة ضد التقاليد والشعائر الدينية، ترافقها توجيهات حزبية غاية في السرية؛ تعكس توجهات السياسة المتشددة للرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يبذل جهودا لاعادة تأكيد أولوية وسيطرة الحزب الشيوعي وأيديولوجيته على جميع مناحي الحياة.
أثارت الحملة مخاوف من أن حالة قمع المسلمين الإيغور الذين يقطنون المنطقة الغربية من شينجيانغ قد بدأت تسري الى أمكان أخرى من الصين، مستهدفة قومية الهوي ومسلمين آخرين من الذين تم دمجهم داخل المجتمع الصيني. وكان مسؤول حزبي رفيع من نينغشيا أثنى على حكومة شينجيانغ خلال زيارة أجراها هناك العام الماضي، متعّهدا بزيادة التعاون بين سلطات الاقليمين من النواحي الأمنية.
يقول البروفيسور "هايون ما"، مسلم هوي يعمل بجامعة فروستبيرغ في ولاية ماريلاند الأميركية، ان الاجراءات الصارمة تواصل العمل على العداء ضد الاسلام في الصين متسببة بنبذ المتدينيين عبر تاريخ طويل من التعسف.
وكتب "هايون ما" مقالة أرسلها الى معهد هدسون، ورد فيها التالي: "باتت جمهورية الصين الشعبية المصدر الأول على مستوى العالم لأيديولجية مناهضة للإسلام وتكرّس كراهيته. وهذا الحال، بالمقابل، ترجم الى دعم مجتمعي واسع للاضطهاد المكثف الذي تمارسه حكومة بكين ضد مسلمي مقاطعة شينجيانغ وأماكن أخرى من البلاد."
 
مخاوف وترقّب
لغاية الآن، لم تصل أي من الاجراءات الصارمة الجديدة الى مستوى الاعتقالات الجماعية في شينجيانغ والمراقبة المجحفة للإيغور؛ لكنها قد أثارت القلق ضمن جموع قومية الهوي، الذين تبلغ أعدادهم أكثر من عشرة ملايين نسمة.
 ويقول شوي هاوشين، وهو شاعر مسلم من قومية الهوي ويقيم جنوب بكين: "قومنا يتعرضون للملاحقة حاليا". وبالنسبة له، تبدو وسائل القمع الخانقة لمجتمع الايغور في شينجيانغ مخيمة على جميع أرجاء الصين: "ذات يوم، لن يستهدف هذا الأسلوب المسلمين فقط، بل سيلحق الضرر 
الجميع."
لقد دخل الاسلام الى الصين منذ قرون بعيدة، ويوجد حاليا من 22 الى 23 مليون مسلم، يمثلون أقلية صغيرة جدا ضمن بلد يقترب تعداد سكانه من مليار ونصف مليار نسمة. ويمثل الايغور والهوي الجماعات الأثنية الأكبر للمسلمين، حيث يقيم الايغور في شينجيانغ، بينما ينتشر الهوي ضمن جيوب داخل البلاد. ويمكن متابعة الاجراءات المقيدة لحرية حركة المسلمين حاليا والعودة بها الى سنة 2015، عندما أثار الرئيس الصيني موضوعا أطلق عليه ما سماه "إضفاء الطابع الصيني على الاسلام"، مشيرا الى ضرورة خضوع جميع المعتقدات الدينية للثقافة الصينية والحزب الشيوعي الصيني. 
وخلال السنة الماضية، أصدرت حكومة شي تعليمات سرية تأمر المسؤولين المحليين بمنع الاسلام من التدخل بالحياة العلمانية الطابع ومهمات الدولة.
سرّبت هذه التعليمات الى الصحافة العالمية بواسطة معارضين للسياسة الصينية يقيمون خارج البلاد، أصدرها مجلس الدولة خلال نيسان 2018، مصنفا إياها بالسرية لعشرين سنة قادمة. 
وتحذّر التعليمات من "تعريب" المناطق والموضة والشعائر وفق النحو الاسلامي داخل الصين، مبرزة تأثير السعودية، موطن المواقع الاسلامية المقدسة، كسبب لهذه المخاوف.
تقييدات متعددة
وتحظر هذه التعليمات استخدام النظام المالي الاسلامي، وتمنع المساجد أو أية منظمات اسلامية من إقامة رياض أطفال أو برامج بعد الدوام المدرسي، كما تحظر تدريس الديانة الاسلامية على مدارس اللغة العربية، او إرسال طلابها الى الخارج للدراسة. وكان المظهر الأكثر وضوحا للعيان الذي استهدفته الاجراءات الصارمة هو تهديم قباب ومنارات المساجد وأية تفاصيل معمارية أخرى تميّز دور العبادة وفق طراز آسيا الوسطى والعالم 
العربي.
ووفقا لمنظور الدولة، يخرّب انتشار التقاليد الاسلامية الانسجام الاجتماعي والسياسي للبلاد على نحو خطر. وحظرت سلطات نينغشيا العرض العلني للنصوص العربية، لدرجة أنها أزالت كلمة "حلال" من الختم الرسمي الذي توزعه للمطاعم المتبعة للتقاليد الاسلامية في اعداد الطعام، لتحل محلها الرموز الصينية؛ وانتشر الحظر ليصل الى بكين ومناطق أخرى خلال الصيف الحالي.
وحظرت سلطات نينغشيا وغانزو الأذان أيضا، وتتم الدعوة لإقامة الصلاة حاليا ضمن المساجد التاريخية هناك بواسطة أبواق السيارات. وقال إمام أحد مساجد عاصمة نينجشيا أن السلطات حذرته أثناء زيارة لمسجده مؤخرا من الحديث العلني بالشؤون الدينية. وفي مقاطعة يوينان الجنوبية، أغلقت السلطات مساجد ثلاث قرى صغيرة بدعوى عدم امتلاكها لتراخيص رسمية، ووقعت احتجاجات وشجار قصير مع أفراد الشرطة، لكن بدون جدوى. وأصدرت سلطات المقاطعة بيانا اتهمت فيه المساجد بإقامة نشاطات ومحاضرات دينية، وهي غير مسموح بها قانونا.
ويتحدث الناس عن تجاهل أئمة المساجد لتحذيرات تطالبهم بنقل خدماتهم لمسجد القرية الكبير، حيث يرتفع علم الدولة وسط باحة المسجد بمعية راية كبيرة مكتوب عليها: أحبوا وطنكم، وأحبوا 
دينكم." وبالقرب من المسجد، قالت إمراة إن غلق المساجد الصغيرة أثار الاستياء، ولكن شعورا بالاستسلام في الوقت نفسه. واستخدمت تلك السيدة عبارة صينية تقليدية للتعبير عن حالة العجز بمواجهة قوة ضخمة، وتقصد بها الحكومة، فقالت: "لا يستطيع الذراع أن يلوي الفخذ."