د. حسين القاصد
كان نتيجة منطقيَّة لانفتاح العراق بعد خروجه من قضبان الدكتاتوريَّة أنْ يختار المواطن العراقي بين التعليم الحكومي والتعليم الأهلي شرط الرصانة العلميَّة، وهنا أنا بصدد التعليم العالي والكليات الأهلية، فبعد أنْ عجزت الجامعات الحكوميَّة ولم تتمكن من إقامة مؤتمرات علميَّة واسعة، إذا استثنينا بعض الكليات الرصينة التابعة للتعليم الحكومي، فاجأتنا كليات أهلية بمؤتمرات لها وزنها مثل مؤتمر اللسانيات الذي أقامته كلية دجلة وقد كان مميزاً من جميع النواحي، ولا شك إنَّ العجز لا تتحمله الكليات الحكوميَّة بقدر توافقه مع حالة التقشف التي مرَّت بها البلاد إبان حكومة السيد العبادي وهبوط أسعار النفط، وهي الحقبة التي انتشرت فيها الكليات الأهليَّة بشكل مثير وبعضها يستحق الاهتمام من حيث الرصانة والقدرة المالية على تذليل ما يعيق التطور العلمي، لكن الشائع والأغلبية الغالبة تسبب بضرر كبير وأصابت سمعة التعليم بمقتل، فضلاً عن الاهتمام بالمنفعة المالية على المنافع العلمية.
لقد استبشرنا خيراً حين رأينا صروحاً علميَّة أهليَّة ترفد التعليم العالي ورصانته بكل ما هو جديد بفضل الإمكانية المالية لأصحابها، لكننا صُدمنا بعشوائيات التعليم الأهلي بدءا من سوء اختيار مكان الكلية الأهليَّة التي تسبب بعضها في اختناقات مروريَّة في بغداد وليس انتهاءً بالاهتمام بالمال على حساب العلم.
أكتب هذا المقال مع توقيت الاتفاق على وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجديد، وقد يظهر المقال في وقت التصويت على الوزير، كما أنني أكتبه وأنا أراقب خطوات رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي الذي شغل والده منصب وزير المعارف في بداية تأسيس الدولة العراقيَّة الحديثة، وهي الوزارة التي تعادل التعليم العالي الآن، وحين تابعت اهتمام السيد عادل عبد المهدي بفك اختناق الطرق في بغداد فضلاً عن منح أصحاب العشوائيات أراضي سكنية، فقلت ماذا لو اتخذت الحكومة على عاتقها إحياء حزام بغداد وجعله منطقة تستقطب الناس وهكذا يتسنى لها حين تفرض على بعض الكليات الأهلية الانتقال الى حزام بغداد، أفضل من أنْ يختنق جسر الجادرية بطلبة كلية الفراهيدي التي قصمت ظهر الجسر وخاصرته بعد أنْ خنقت جامعة بغداد وأرصفتها رقبة الجسر ليصير اجتيازه في أضعف الاحتمالات يحتاج
الى ساعتين.
تركة كبيرة تنتظر الحكومة بشكل عام ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي على وجه الخصوص، ولعلَّ أهمها الرصانة التي ظلت طوال الفترة الماضية شعارات رنانة من دون نتائج مثمرة، ذلك لأنَّ استسهال النجاح في الكليات الأهلية والقبول فيها بمعدلات متدنية صار له أثره الخطير في مستقبل البلاد ومستقبل طلبتنا.
لذلك ونحن مع بداية مرحلة جديدة وحكومة جديدة وعام دراسي جديد، أرى من الضروري الانتباه لهذا المفصل الخطير فالتعليم الأهلي صار يستقطب خيرة الأساتذة بسبب الإغراءات الماليَّة واهتزاز هيبة الأستاذ الجامعي نتيجة الأخطاء الإداريَّة التي لا تراعي القيمة العليا التي يمثلها الجانب الأكاديمي.