خامنئي: لا بد أن يحمل الرد بصمة إيران

بانوراما 2020/01/07
...

  ترجمة وإعداد / أنيس الصفار   
 
                       
في الساعاتِ العصيبةِ التي اعقبتْ مقتلَ اكبر قائد عسكري إيراني على يد الأميركيين، قام المرشد الاعلى الإيراني آية الله علي الخامنئي بزيارة نادرة لمجلس الأمن الوطني اثناء انعقاد جلسته المخصصة لوضع معايير الرد المزمع. يقول ثلاثة من الايرانيين المطلعين على مجريات الاجتماع الذي انعقد يوم الاثنين إن المرشد وجه المجتمعين بضرورة أن يكون الرد على المصالح الأميركية مباشراً ومتناسباً مع ما وقع، وأن تنفذه القوات الإيرانية بنفسها صراحة وعلناً.
يعد هذا الموقف خروجاً غير متوقع من جانب القيادة الإيرانية عن نهجها المعتاد؛ إذ دأبت طهران منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية في العام 1979 على الاستعانة بحلفائها في المنطقة في تنفيذ هجماتها.
ولكن وسط حمى الغضب الجارف الذي أشعله مقتل اللواء قاسم سليماني، وهو حليف وصديق مقرب من المرشد الاعلى، عزم آية الله الخامنئي على التخلي عن ذلك الحذر
التقليدي.
تجلى غضب الأمة الإيرانية لمقتل هذا القائد تجلياً نابضاً يوم الاثنين؛ عندما تدفق ملايين الإيرانيين الى شوارع طهران في مسيرات التشييع، حتى خامنئي نفسه لم يملك إلا أن بكى علناً وهو يقف أمام
النعش.
بعد أسابيع قليلة من تلك التظاهرات التي شهدتها إيران، وجد مؤيدو الحكومة ومعارضوها أنفسهم يسيرون معاً وقد وحدهم الغضب، فاكتظت المحطات وقطارات الأنفاق بالمعزين قبل الفجر بساعات، وخرجت الأسر مصطحبة اطفالها وهم يحملون صور الجنرال سليماني.
يقول السياسي الاصلاحي صادق خرازي إنه لم يشهد مثل هذه الحشود في حجمها منذ تشييع جنازة مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله روح الله الخميني في
العام 1979.
في مقطع فيديو اطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز ظهر الجنرال حامد سرخيلي من حرس الثورة مخاطباً الجموع الحاشدة: “نحن مستعدون لإنزال الانتقام القاسي بأميركا”، فتهتف جموع المشيعين: “لا تفاوض .. لا صفقات .. بل هي الحرب مع أميركا”، وهتف صادق أهنغاران، وهو شخصية معروفة في الحرس الثوري، يحض حشود المشيعين على رفع اصواتهم أعلى قائلاً: “دعوا أميركا الملعونة تسمعكم .. لوحوا بالاعلام واستعدوا للحرب.”
هذه النداءات المعلنة التي تصاعدت يوم الاثنين باتخاذ اجراءات مباشرة مثلت احدث وقفة تحدّ بوجه الرئيس ترامب، ففي نهاية الاسبوع الماضي كرر الرئيس الأميركي تهديداته بالرد الانتقامي على أية هجمات تستهدف المصالح الأميركية من خلال اصدار الأوامر بتوجيه ضربات جوية على 52 هدفاً، والرقم المذكور فيه اشارة الى عدد الأميركيين الذين احتجزوا في السفارة الاميركية بطهران في العام 1979.
رد على ذلك الرئيس المعتدل حسن روحاني يوم الاثنين مستخدماً الأرقام هو الاخر؛ إذ قال على موقع تويتر: “على من يذكّرنا بالرقم 52 أن يتذكر ايضاً الرقم 290 “، في إشارة الى عدد الإيرانيين الذين قتلوا في العام 1988 عندما اسقطت سفينة حربية بالخطأ طائرة مدنية إيرانية.
أضاف روحاني: “ إياك ولغة الوعيد مع الأمة الإيرانية!”
تقدير أين ومتى ستختار إيران الرد، أو حتى إن كانت سترد، مسألة متروكة لتخمينات المخمنين، وبينما يقلب القادة الإيرانيون الصيغ التي يمكن أن يأتي بها الرد، يقول المحللون إن الاهداف قد تشمل القوات الأميركية في سوريا والعراق المجاورتين والقواعد الأميركية في منطقة الخليج، أو السفارات والدبلوماسيين في أي مكان تقريباً.
رغم ادعاء ادارة ترامب أن الولايات المتحدة قد اغتالت الجنرال سليماني لأنه كان يخطط لهجمات وشيكة ضد المصالح الأميركية، ثمة مؤشرات ظهرت يوم الاثنين تدل على أنه ربما كان يقوم بمساع لتهدئة التوترات مع السعودية؛ فقد قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إنه كان مفترضاً به الالتقاء بالجنرال سليماني في صباح يوم مقتله، متوقعاً منه أن يحمل اليه رسائل من الجانب الإيراني من شأنها المساعدة في التوصل الى اتفاقات وتحقيق تقدم له أهميته بالنسبة لوضع العراق في المنطقة، على 
حد قوله.
أما المسؤولون الإيرانيون فيبدو أنهم لا يتعجلون الرد على الولايات المتحدة، ولعلهم يشعرون بالراحة الان وهم يرون مدى قدرتهم على اشاعة القلق والاضطراب لدى الغرب، مستمدين الاطمئنان من هذا المد الوطني وتنامي التعاطف الدولي معهم وتصاعد الضغوط لإخراج القوات الأميركية من
العراق.
 
* فارناز فسيحي وديفد كركباتريك/عن صحيفة  نيويورك تايمز