جمهور المهرجانات السينمائيَّة المحليَّة معلقٌ في الهواء

الصفحة الاخيرة 2018/11/27
...

 
رضا المحمداوي 
 
كنتُ قد توقفتُ في مقالة سابقة عند ظاهرة المهرجانات السينمائيَّة العراقيَّة، ومن خلال تلك الظاهرة أثرتُ مفهوم (الجمهور السينمائي) في العراق ومدى علاقته بتلك المهرجانات ومتابعته وحضوره للعروض السينمائيَّة التي تقدّمها تلك المهرجانات، ولغرض إثبات المصداقيَّة والموضوعيَّة لما ذهبتُ إليه في المقالة السابقة ومن أجل تقديم نموذج تطبيقي لهذا الجمهور فإني أقدّمُ هذا المشهد الخاص عن الجمهور وحضوره لأحد المهرجانات.
فقد لمستُ في حفل افتتاح مهرجان "عيون للأفلام السينمائيَّة الروائيَّة القصيرة" في دورته الأخيرة، ظاهرة اختفاء الجمهور السينمائي المزعوم، فبعد الانتهاء من حفل الافتتاح الرسمي والنقل التلفزيوني المباشر لفعاليات الافتتاح ومن ثم بدء عرض الأفلام (السينمائيَّة) المشاركة فيه، بدأ جمهور الصالة بالانسحاب تدريجياً، ومع توالي عرض الأفلام، وهي أفلام قصيرة لا يتجاوز عرض البعض منها سوى دقائق معدودة، ازداد الجمهور انحساراً واختفاءً، وما انْ وصلتُ الى مشاهدة الفيلم العاشر تقريباً حتى اختفى الجمهور بالكامل من الصالة وكأنَّ الظلام قد ابتلعه مثل أي مشهد من مشاهد الرعب أو أفلام الخيال العلمي!
فقد ترك الصالة أولاً ضيوف الخط الأول وفرغتْ تلك المقاعد الرئاسيَّة الوثيرة، وانسحب الفنانون والمخرجون والممثلون والمؤلفون وأصحاب الأفكار وغيرهم، وفجأةً وجدتُ نفسي وحدي في الصالة المظلمة مع مجموعة من الأشخاص المعدودين والمحسوبين على إدارة المهرجان والقائمين عليه؟ عجباً أين اختفى الجمهور؟
هل كان الجمهور (المؤقت) الحاضر هو جمهور إعلامي - تلفزيوني يحضر من أجل التصوير التلفزيوني، أو أخذ صور (السليفي) مع الأصدقاء والمعارف والأحبة؟ أم إنَّه جمهورٌ جاء يبحث عن شيء في الأفلام التي قصد مشاهدتها ولكنه حينما لم يجد ما يبغي ويريد، وما يبحث عنه فإنه ترك الصالة وذهب الى حيث يريد، ليصدق هنا في هذا السياق ما قالهُ المنتج الأميركي (أدولف زيوكر): "بأنَّ الجمهور لا يخطئ أبداً".
يحدث كل هذا وفعاليات المهرجان مجانيَّة، إذ إنَّ (الدعوة عامة للجميع) وليس هناك من بطاقة دخول ولا شباك تذاكر، فماذا لو اعتمد هذا المهرجان وأمثاله على التمويل الذاتي وارتأى دخول الجمهور ببطاقة مدفوعة الثمن، فهل سيبقى هذا الجمهور على حماستهِ وإصراره على الحضور ومتابعة تلك الأفلام؟
وهنا تذكرّتُ مأزق صديقي الناقد علي حمود الحسن حينما وجد نفسه وحدهُ هو المتفرج الوحيد في صالة السينما الكبيرة قبل بداية عرض أحد أفلام مشروع بغداد عاصمة الثقافة في أحد (المولات)!.
فمَن الجمهور المُستهدف الذي من أجله تُقام هذه المهرجانات، وقبل ذلك مَنْ هو الجمهور المقصود مِن إنتاج تلك الأفلام (السينمائيَّة)؟ وأين يتواجد هذا الجمهور الذي نفترض وجوده جدلاً؟ هل هو جمهور مُعلقٌ في الهواء؟ هل هو جمهور القنوات الفضائيَّة أم جمهور الانترنت واليوتيوب والفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي؟
إذنْ ما الجدوى الفنيَّة من إقامة تلك المهرجانات ولا أطرح هنا القيمة الاقتصاديَّة والمردودات الماديَّة التي تنطوي عليها إقامة هذه المهرجانات فعالياتها؟
وأحسبُ أنَّ أزمة جمهور المهرجانات السينمائيَّة هي ذاتها أزمة جمهور تلك الأفلام نفسها، فلماذا تُنتجُ هذه الأفلام؟ ولِمَنْ تتوجّه؟ وربما من الصعب أنْ نسأل من يقوم بإنتاج هذه الأفلام وهي غالباً ما تقوم على جهود فنيَّة شخصيَّة تنطوي على مغامرة لكنها تبقى نابعة عن حب حقيقي لفن السينما يدفع صاحبه الى فكرة إنتاج فيلم لا يعرف مصيره، ولا يعرف كذلك مَنْ سيشاهد هذا الفيلم لتصل إليه رسالته وخطابه الجمالي والفكري.