أرصفة وجزرات وسطيَّة تستهوي {القصابين}

ريبورتاج 2018/11/27
...

بغداد / بشير خزعل
 
تصوير: نهاد العزاوي
في ساحة ( صباح الخياط ) المزدحمة بالمارة والسيارات في مدينة الشعب ببغداد ، يقف احد الجزارين على الرصيف ليمارس ذبح الخراف وبيع لحومها على بعض الزبائن ، منظر الدماء وبقايا فضلات الاغنام وجلودها التي تنبعث منها روائح كريهة تجعل الكثيرين من المارة مضطرين  للعبور الى الجانب الاخر من الشارع ثم الرجوع الى وجهتم الاصلية، ( فالقصاب) يحتل رصيف المارة بحرية وامام دورية النجدة التي ترابط في المنطقة على مدار يوم كامل ، اما الاجهزة الرقابية في الصحة وامانة بغداد فلم تعد تقلق احدا ً من المخالفين المحمين بالاصطفافات العشائرية  التي تهدد الموظفين في تلك الجهات الحكومية .  
 تجاوز وضرر
ضرر بيئي وصحي يسببه ( جزارو الارصفة )، فبالاضافة الى انتهاكم  حقوق الشارع والمارة بمنظر الدماء وفضلات الحيوانات وتجمع الحشرات ، اصبحت الامراض الوبائية احد اهم الاخطار التي تنجم عن ممارسة هؤلاء ( القصابين) لمهنة ذبح الاغنام وبيع لحومها بعيدا عن اي رقابة صحية تجيز لهم ممارسة هذه 
المهنة . 
 
    زبائن
على امتداد الشارع المؤدي الى سوق ( الاربعة الاف) في منطقة الشعب ينتشر بائعة اغنام ومواشٍ ويمارسون في نفس الوقت مهنة الجزارة ، فهم يقومون بتقطيع اللحوم للزبون اذا اراد ذلك، وماعلى المشتري فقط إلا أن يحضر معه بعض الاواني لحمل اللحم ، او يعبأ في اكياس من قبل البائع ، حميد سيد كاطع ( 36) سنة  قال : إننا نشتري من بائعة الاغنام الموجودين في الشارع لانهم افضل وارخص من محال القصابة ، فهنا نشاهد الذبيحة ونختارها ونقوم بذبحها امام اعيننا ، في حين ان اللحوم التي تباع في المحال يمكن غشها ، وقد سمعنا قصصا كثيرة عن اساليب الغش لدى بعض القصابين ، ولذلك اغلب الناس يلجؤون الى شراء اللحوم من هؤلاء الباعة ، وايضا اسعارهم تكون ارخص قليلا من محال 
الجزارة . 
 
   الرقابة
فاضل جاسم محمد 52 سنة ( موظف حكومي ) زبون كان يروم شراء اللحم ، اشار الى سبب انتشار ( القصابين ) على الارصفة والشوارع قائلا : بسبب غياب الرقابة الصحية في اغلب محال الجزارة ، اصبح القصابون في تلك المحال يمارسون ايضا ذبح المواشي والاغنام داخل او امام محالهم ، ويعرضون اللحوم بشكل مباشر ، وهذا الامر يختلف عما كان موجودا في السابق في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، فلم يكن يستطيع اي قصاب ان يقوم بذبح الاغنام في محله ، بل تجزر الحيوانات في ( المصلخ) الذي كان يقع على اطراف مدينة بغداد في نهاية مدينة الشعلة ، وتخضع المواشي الى كشف قبل الذبح وختم الفرق الصحية الموجودة هناك بعد عملية الذبح ، ولم يكن اي مواطن ليشتري اللحم اذا ماكان ( مدموغا) بالختم الصحي الذي يكون بارزا في جزء واضح من الاغنام او المواشي المذبوحة مع ورقة الموافقة الصحية لاجازة بيع تلك اللحوم واستخدامها للاستهلاك البشري . 
 
 قصاب
حسن كاظم (28) سنة صاحب (جوبة اغنام) وقصاب بين ان ممارسته لمهنة الجزارة على الرصيف جاءت بسبب غلاء اسعار ايجار المحال ، وعدم موافقة اغلب اصحاب العمارات على ممارسة مهنة القصابة في بناياتهم، بالاضافة الى سهولة استغلال الرصيف ومردوده المالي الجيد مقارنة ببعض المحال ، فموقع (القصاب) مهم ويجب ان يكون قريبا من الحي السكني او السوق ليسهل الوصول اليه من قبل ربات البيوت ، واضاف كاظم أن امانة بغداد والفرق الصحية في وزارة الصحة تلاحقنا في احيان كثيرة ، لكننا مضطرون للبقاء ومواجهة الضغوط والغرامات بسبب اوضاعنا المعيشية ، فاغلبنا اصحاب عوائل ولا مهنة لنا غير الجزارة التي تعلمنا ممارستها منذ الصغر ، كما ان بعض الزملاء من القصابين هنا في الشارع هم من اصحاب الشهادات الجامعية لكنهم لم يحصلوا على تعيين طوال سنوات واضطروا لممارسة هذه المهنة في الشارع خصوصا وان ايجار المحال واسعارها غالية ولا يمكن لاي (قصاب ) ان يشتريها مالم يكن متمكنا ماديا ، فهي تتطلب موقعا خاصا  لممارسة هذه المهنة . 
  
   ضعف 
موظف في احدى فرق التفتيش وازالة التجاوزات (رفض ذكر اسمه )  اكد ملاحقة المخالفين بشكل مستمر ، لكن ضعف القانون وعدم مجابهته للاعراف العشائرية اصبح يعرقل عمل اغلب مؤسسات الدولة ، فمن خلال المتابعة والمطالبة بازالة (جوبات الاغنام) من الارصفة والشوارع ، صار الموظف المعني يعرض نفسه للمساءلة العشائرية التي قد تصل الى التهديد و( الكوامة) ومن ثم الفصل العشائري الذي يجبر الموظف على نقل خدماته الى مكان اخر او عدم المرور بالشخص المخالف ، وقد حدثت بعض الحالات مع بعض الموظفين الذين تركوا العمل في الرقابة وازالة التجاوزات ونقلوا خدماتهم الى اقسام اخرى سواء كان الموظف في امانة بغداد او وزارة 
الصحة . 
 
متضررون
احد سكنة منطقة حي اور تحدث عن الاضرار التي يسببها اصحاب مجازر الارصفة على الصحة العامة ، اذ يقول احمد عبد الواحد الطائي (42) سنة صاحب محل خضراوات : اصبح ذبح الحيوانات على ارصفة الشوارع وامام محال بعض القصابين ظاهرة خاطئة تدلل على ان هذا القصاب يبيع لحما طازجا ، ولاعلم للناس فيما اذا كانت هذه الاغنام والمواشي مريضة او مصابة بامراض فهي لم تخضع لاي فحص بيطري او صحي من قبل  اللجان الصحية التي كانت في السابق تشرف على مجازر اللحوم ، واصبحت تلك الحيوانات تشترى من المربين واغلبهم يسكنون في مناطق موبوءة وغير صحية وحيواناتهم تقتات على المزابل واكوام النفايات ، واشار الطائي الى وجود ضرر صحي ونفسي على الاطفال اثناء تجوالهم او ذهابهم الى المدارس وهم يشاهدون منظر الدماء تغطي الارصفة والشوارع وعملية نحر الحيوانات وما ترافقها من مخلفات تثير الاشمئزاز لدى المارة ، واغلب سكان المناطق الشعبية متضررون من اتساع هذه الظاهرة بسبب عدم وجود رقابة بلدية وصحية فاعلة ، فالجزارون يعملون على الارصفة والجزرات الوسطية بحرية وامام انظار دوريات الشرطة . 
 
   قانون
الباحث القانوني ثامر حسن النعيمي بين ان قوانين امانة بغداد النافذة هي قوانين ضعيفة ولاترقى الى مستوى مكافحة التجاوزات الحاصلة على الاملاك العامة ، وكذلك القوانين الصحية المتعلقة بحماية البيئة ، وفي مجملها لا تتعدى الانذارات والغرامات ، وهي ايضا لا تنفذ مع وجود فساد عند بعض الموظفين ، الامر الذي عقد المشهد الصحي والبيئي بشكل كبير جدا ، فبرغم انتشار بعض الامراض والاوبئة الفتاكة بسبب اتساع ظاهرة مجازر الارصفة ، لم تواجه هذه الظاهرة باجراءات رادعة ، لعدم وجود قوانين رادعة اصلا ، واضاف الخالدي أن على مجلس النواب الجديد ان يشرع قوانين جديدة تهتم لامر البيئة وازالة التجاوزات من مدينة بغداد وباقي المحافظات ، ولابد ان تتضمن تلك القوانين عقوبات الحبس لاكثر من سنة والغرامة المالية بثلاثة اضعاف القيمة التقديرة لحجم الضرر على املاك الدولة واستيفاء ايجار باثر رجعي عن السنوات التي تم فيها التجاوز على الممتلكات العامة . 
                                                   
     إجراءات
  وزارة الصحة والبيئة باشرت بحملة لازالة التجاوزات البيئية وتوجيه انذارات لايقاف مخالفات الطمر غيرالصحي والجزر العشوائي في بغداد والمحافظات.
مديرعام دائرة التوعية والاعلام البيئي في الوزارة، امير علي الحسون قال : ان وزارته اكدت على جميع المديريات البلدية ببغداد والمحافظات بضرورة توفير المتطلبات والشروط البيئية اللازمة حفاظا على صحة وسلامة المواطن، مفصحا عن اتخاذ الاجراءات اللازمة بحق جميع المخالفين من خلال حملة تتضمن ازالة التجاوزات البيئية ومعاقبة 
المخالفين.واضاف ان الوزارة انذرت 14 مؤسسة صحية أهلية في بغداد لمخالفتها المحددات البيئية، فضلا عن توجيه انذار الى دائرتي بلدية بعقوبة وناحية كنعان بسبب انتشار النفايات في المناطق التي تقع ضمن قواطع مسؤوليتهما، منوها بأنها باشرت رفع النفايات وإبعادها عن المناطق السكنية لدرء 
مخاطرها. 
واضاف الحسون ان الفرق الفنية التابعة للمديرية تحرص على استخدام الأساليب العلمية الصحيحة لمعالجة النفايات وذلك بدفنها وردمها والاستعانة بالمؤسسات الامنية من خلال وضع دوريات للشرطة بمواقع الطمر لمحاسبة من يقوم برمي النفايات داخل 
الموقع.
ودعا المواطنين الى تحمل مسؤولية الحماية البيئية للمدن ومنع الحرق العشوائي للنفايات داخل الأحياء السكنية والحفاظ على نظافة المدينة ووضع القمامة داخل اكياس بلاستيكية مع ضرورة أحكامها ووضعها في الأماكن المخصصة لها، مفصحا عن تنظيم الفرق الفنية بمديرية بيئة البصرة، وباقي المدن الاخرى حملة لمتابعة ملف الجزر العشوائي ومحاسبة المخالفين 
فيها.