تخبط المخابرات الروسية يكلف الكرملين الكثير

قضايا عربية ودولية 2018/11/28
...

سابرا آيرز ولورا كينغ
ترجمة: بهاء سلمان
 
شأنها شأن الرئيس فلاديمير بوتين، اعتادت وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية أكثر على الخوف من التعرض للسخرية. غير أن سلسلة أعمال التجسس المتخبطة التي تم كشفها مؤخرا جعلت الوكالة الجاسوسية عرضة لسخرية لاذعة، لطالما امتاز بها الروس.
وكثرت القفشات والنكات على وسائط التواصل الاجتماعي الروسية مؤخرا بعد نوبة هزلية غير مقصودة على قناة روسيا اليوم الدولية، المدعومة من الكرملين، من قبل الرجلين المشتبه بذهابهما الى بريطانيا سعيا لقتل المرتد الروسي الجاسوس سيرجي سكريبال، حيث إدعى الرجلان، على نحو غير مقنع، بأنهما سائحان عاديان تم أخذهما لمبنى كنسي في مدينة سالزبيري الهادئة جنوبي 
انكلترا.
وظهرت موجة جديدة من التعليقات اللاذعة لاحقا عندما كشفت بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة دليلا لهجوم بالانترنت حول العالم من قبل عملاء مخابرات روسية، نتج عنها اتهام وزارة العدل الأميركية لسبعة عملاء روس، لحقها طرد دبلوماسيين روس وعقوبات اقتصادية، ولا تمثل تلك الزلات المهينة المتعلّقة بالتجسس أمرا مضحكا للرئيس بوتين، بحسب المحللين. 
“الاستياء الحقيقي لدى القيادة الروسية ليس من مصداقية دولة ملتزمة بالقانون وسط نظام دولي انكشف له تنفيذ الروس لجميع هذه العمليات السيئة السمعة،” بحسب “مايكل كوفمان” المختص بالشؤون العسكرية والأمنية الروسية في مركز ويلسون الأميركي، مضيفا 
أن الكرملين قلق على “تصنيفه وصورته وسمعته كقوة عظمى، وأن بوتين، ضابط المخابرات السوفيتي السابق، غير سعيد لإظهار روسيا كدولة غير كفوءة، والشعور المحتمل بأن جواسيسها عبارة عن 
حمقى. 
ويرى مراقبون تحركات لبوتين تجاه رئيس الاستخبارات العسكرية، “ايغور كوروبوف”؛ إذ تم استدعاؤه وتوبيخه بشدة بعد الاتهام الأميركي لسبعة ضباط مخابرات.
 
هيبة الدولة
بنظر الكرملين، تعد المخابرات الروسية وثيقة الارتباط بالدولة نفسها لدرجة “ان الأمر يمثل احراجا للدولة التي يرأسها بوتين،” كما تقول “الينا بولياكوفا”، المحللة في مؤسسة بروكنغس، وتضيف: “الحال يمثل وكأنه هجوم شخصي.” مع ذلك، من غير المرجح على الاطلاق تغيير الكرملين لسلوكه رغم الكشف العلني لحالات تجسس مشينة: “اذا أفصح بوتين عن غضبه، ليس لأنهم يقومون بأعمال تجسس وقرصنة وقتل، وإنما لأنهم لا ينفذون أعمالهم بجودة كافية،” بحسب “مارك جاليوتي”، الخبير بالأجهزة الأمنية 
الروسية.
الرواية الروسية المخادعة، المخصصة بشكل أساسي للجمهور الداخلي، هي أن بوتين يجابه الغرب المتغطرس، وأي أسلوب يتم توظيفه يقدم بوصفه رأيا منصفا، بحسب 
المحللين. 
ومهما كان الانكار الرسمي غير قابل للتصديق، تظهر استطلاعات الرأي تعاطف غالبية الروس مع حكومتهم عند إتهامها من قبل القوى الغربية، كما في مثال التدخل بالانتخابات 
الأميركية. 
وما حصل بقضية سكريبال مثال على نظرة الكرملين، حيث لم يكتف بنفي تورط روسيا بشدة بموضوع تسميم الجاسوس الروسي السابق وابنته يوليا في آذار الماضي بغاز أعصاب يعود للحقبة السوفيتية، بل طالب بدليل مؤكد لما ارتكبه المشتبه بهم، ليبدو الأمر حينها وكأنه مهمة غاية في الصعوبة. 
غير أن السلطات البريطانية تمكنت من تحديد هوية رجلين روسيين، وقدمت جدولا زمنيا دقيقا بتحركاتهما.
في تلك النقطة تحديدا، ظهر الكرملين مفرطا بالاعجاب بنفسه، ليقلب المسلسل الشرس الى مهزلة، فقد استضافت قناة روسيا اليوم الرجلين، ليؤكدا أنهما اخصائيان في التغذية الرياضية زارا بريطانيا خلال العطلة الترفيهية، ورغبا برؤية مواقع لندن السياحية ومشاهدة احدى الكاتدرائيات في مدينة ريفية.
 
تواصل الأخطاء
بعد ذلك، ساءت الأمور أكثر على روسيا، فقد كشف أحد المواقع الصحفية المستقلة في بريطانيا عن هوية الرجلين، ليعلن أنهما ليسا فقط ضابطين في الاستخبارات العسكرية، بل يحملان لقب “بطل روسيا”، وهي أرفع مرتبة شرفية عسكرية روسية، لتتجدد السخرية من عمليات التجسس.
ثم أعلن محققون هولنديون ضبط أربعة جواسيس روس حاولوا قرصنة الحواسيب الخاصة بمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية المتخذة من لاهاي مقرا لها، والتي كانت تحقق بقضية سكريبال. 
وأثناء حملة الكرملين لإدانة المؤامرة الغربية لتشويه سمعة روسيا، ظهر خطأ تافه على السطح، إذ احتفظ العملاء الأربعة بايصالات سيارات الأجرة التي أقلّتهم من مقر الاستخبارات العسكرية جنوبي موسكو الى المطار، حيث استقلوا الطائرة متوجهين نحو امستردام. 
كما قاد العملاء عن غير قصد المحققين إلى مسار أماط اللثام عن نظام متوالي لترقيم جوازات السفر، الذي بدوره قاد الى الكشف عن 305 عملاء في قاعدة بيانات واحدة تابعة لشرطة المرور، جميعهم سجلوا سيارتهم على عنوان قيادة الاستخبارات 
العسكرية.
وخلال الفيض الأخير لأخطاء أعمال الجواسيس الروس، كانت استجابة الكرملين متسقة على نحو ثابت، بحسب المحللين. تقول بولياكوفا: “الخطوة الأولى: النفي؛ والثانية: التقليل من شأن من يطلق المزاعم، وكالعادة تتعمد الخطوة الثالثة نشر نسخ متعددة من القصة، ضمن محاولة ارباك الرواية الشعبية حيال الحقيقة”.