العقد الاجتماعي

الصفحة الاخيرة 2018/11/29
...

جواد علي كسار
 
كتاب"العقد الاجتماعي" في مكتبتي منذ عقود حاله حال الكثير من المصادر الأساسية في الفكر الاجتماعي والسياسي في المكتبة العربية. فمنذ البداية؛ تحديداً منذ بواكير علاقتي بالثقافة والفكر كنت حريصاً على التكوين المنهجي المنظم للمعرفة، بما يقتضيه ذلك من تحديد سلّم سليم للأولويات في كلّ فكر أو حقل معرفي. لذلك لا أستطيع عدّ أو على نحوٍ أدق استذكار عدد المرّات التي عدت فيها إلى هذا الكتاب لـجان جاك روسو (1712ـ 1778م).
بيد أني أشعر أن عودتي في هذا الموسم تختلف عن المرّات السابقة، لتتأكد لي مقولة، أن النصّ المتلوي يمنح قارءه معاني أو أفكاراً وملاحظات جديدة أو مستجدة على أقلّ تقدير، والعلة برأيي لا تكمن في انطواء النص ـ هكذا أي نصّ ـ على معان مركبة أو أغوار وبواطن أو طبقات يأتي بعضها فوق بعض؛ وإلا قل لي بربك: ما هي الأغوار أو البواطن أو الطبقات التي يحويها نص من قبيل: الشمس طالعة، القمر منير، الماء يتألف من جزيئتين هيدروجين وجزيئة أوكسجين وهكذا، بل المسألة تعود أساساً إلى الوعاء المعرفي للقارئ، وتطوّر هذا الوعاء، كما إلى التغيرات في البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية، أو ما يسمى بمواصفات الزمان والمكان في زمن أو لحظة القراءة.
بقي الكتاب ممنوعاً في فرنسا، وحُكم عليه في جنيف، وبذلك لم ينتشر إلا على نحوٍ بطيء، لكن حصل التحوّل مع الثورة الفرنسية وقبيلها بقليل لصالحه ولصالح مؤلفه.
توفي روسو في 2 تموز 1778م لتبدأ بعد وفاته عملية العناية برسائله ومقالاته وبحوثه وكتبه، خاصة بعد انتصار الثورة الفرنسية سنة 1789م حيث أُطلق اسمه على أحد الشوارع، وصوتت الجمعية التأسيسية سنة 1791م على إقامة تمثال له وتخصيص معاش لأرملته.
أعجبني ما ذهب إليه في الفصل السادس من العقد الاجتماعي، المعنون "في الميثاق الاجتماعي" حين أشار إلى فكرة خلق قوة مضافة إلى قوة الفرد من خلال مبدأ دمج القوى: "لما كان البشر لا يستطيعون خلق قوى جديدة وإنما توحيد وتوجيه قواهم الموجودة فحسب، فإنه لم تبق لديهم من وسيلة أخرى للبقاء إلا تشكيل جملة من القوى بالدمج، يمكنها التغلب على المقاومة وحشدها للعمل بدافع واحد وجعلها تتصرف بتناسق".
والسؤال: هل نحتاج في اللحظة العراقية الحاضرة إلى عقدٍ اجتماعي يحشد الطاقات ويكسبنا القوة المضافة؟!