رضا المحمداوي
باستثناء الأفلام السينمائية التي كان يعرضها التلفزيون لدينا (في مرحلة ما قبل عام 2003) في منهاجهِ العام أو من خلال بعض البرامج التلفزيونية المَعنّية بالفن السينمائي، لم يكنْ أمام محبي الفن السابع من منفذ سوى صالات السينما ليشاهدوا في ظلامها ألوان أفلامهم التي يحبونها، وبقيتْ هذه النافذة السينمائية الوحيدة تؤطر العلاقة بين الجمهور والفيلم السينمائي طوال سنوات طويلة منذ أنْ عَرَفَ العراقيون صالة السينما وأفلامها في مطلع القرن العشرين، لكن في سبعينيات القرن الماضي دخلتْ أشرطة الفيديو المعروفة ب"V.H.S " وهي تحمل المختارات من الأفلام والانواع السينمائية بطريقة تجارية لاول مرة، قبل أن ينتهي ذلك الجهاز البيتي( الفيديو) مع أشرطتهِ القديمة لتحّلَّ مَحلهُ الاقراص المدمجة المعروفة بـ {CD} وهي تحمل معها ذات السلعة السينمائية أو البضاعة
الفنية .
وما أن دخل عملاق تكنولوجيا الاتصال(الانترنيت)الى بيوتنا بعد عام 2003 وأصبح في متناول أيدينا حتى صارت مواقع الافلام السينمائية الخاصة بعرض الافلام على شبكة الانترنت أيقونة متداولة ومعروفة تضخ يومياً وتضع أمام عينيك آخر الانتاجات السينمائية العالمية مثلما تضّمُ في خزائنها وأرشيفها سجل الافلام الكلاسيكية المعروفة
، وقد دخلتْ تلك المواقع الخاصة بالعرض السينمائي حلبة منافسة دائمة، وصراع مصالح من أجل الفوز بأكبر عدد من المشتركين أو المرتادين أو الزائرين لها، في حين عَمَدتْ بعض شركات الانتاج السينمائي الى بث أفلامها عبر الانترنت من خلال إنشاء أو المساهمة بتأسيس عناوين وأسماء مواقع الكترونية خاصة بها على الشبكة العنكبوتية لغرض عرض نتاجاتها السينمائية، وكل ذلك يجري في ظل اتفاقيات وبروتوكولات عمل وصفقات تجارية بين الشركة المنتجة للفيلم ومواقع البث الالكتروني وشركات الاعلان التجاري ويتم تحقيّقُ الارباح من خلالها وتتزايد فوائدها وبشكل متواصل وبمعدل مضطرد مما يؤدي الى إنتاج المزيد من الافلام ومن ثم عرضها والحصول على الايرادات المالية المتزايدة بما يسمح باستمرار عملية الانتاج والعرض بشكل دائم وكأنَّ لا توقف لهذه العملية طالما هناك المتلقي أو المشترك أو الزائر لهذ المواقع مع تدفق دائم للإعلانات
التجارية .
وقبل أنْ ينشبَ الانترنت مخالبَهُ في تفاصيل حياتنا اليومية ويفقدها إلى الأبد دعتها وهدوءها، كان قد غزانا البث الفضائي للقنوات التلفزيونية وظهرتْ أجهزة ( الستالايت) وصحون التقاط الاشارة التلفزيونية الكونية التي استقرتْ فوق سطوح بيوتنا وقد سمحتْ وأتاحتْ ظهور القنوات التلفزيونية الفضائية ومنها القنوات المتخصصة بالافلام السينمائية سواء العربية والاجنبية، وبعض تلك القنوات أصبح مُتاحاً ومُشاعاً للجميع بإعتبارها قناة فضائية مفتوحة ، ومنها ما أصبح يُعرف بـ( القنوات المُشفرَّة) التي لا يمكن الدخول اليها والحصول على فرصة مشاهدة افلامها إلّا من خلال (كارت) الدخول وبطريقة الدفع المُسبق وتمتاز هذه القنوات المُشفرّة بنوعية خاصة من النتاجات وبحداثة المنتج السينمائي .
وفي واحدة من مظاهر التلقي الفني الجديد الذي بتنا نطالعهُ يومياً أخذتْ هذه القنوات الفضائية التلفزيونية، ومعها كذلك المواقع الالكترونية الخاصة بالفن السينمائي تعرض الافلام، القديم منها والجديد،على مدار اليوم حيث يمكنك مشاهدة ومتابعة تلك الافلام من الصباح الباكر حتى صباح اليوم التالي
، وقد جسَّدَ هذا الأسلوب من العرض السينمائي المُسّتمر على مدار اليوم شكلاً من أشكال المنافسة بالنسبة للقنوات التلفزيونية وجهَّزها بعناصر جذب وشد جديدة وَسَحَبَ البساط من تحت أقدام جمهور واسع وعريض اعتادَ منذ سنوات عدة على المشاهدة الطويلة الأجل ذات الثلاثين حلقة قبل أنْ ينتقل هذا النمط الانتاجي الاخير الى ما بات يُعرف إنتاجياً ب(الاجزاء) أو (المواسم) الانتاجية الماراثونية المتتالية، حتى امتد عدد الحلقات في كل جزء او موسم الى المئات، وقد شاع نمط الدراما التركية المدبلجة باللهجة السورية بمئات الحلقات وتابَعَهُ جمهورنا العراقي حتى أصبح ظاهرة تلفزيونية طاغية بتداعياتها الاجتماعية
، وفي الآونة الاخيرة بدأتْ الدراما المصرية السَّباقة دائماً لتجديد نفسها بالنسج على ذلك المنوال وأخذتْ شركات الانتاج الفاعلة والمنتجة فيها بضخ نتاجاتها الدرامية المطلوبة والمرغوبة دائماً، من دونَ أنْ نغفلَ تجربة الدراما التلفزيونية الهندية المدبلجة في هذا
المجال .