سيد طالب باشا نقيب البصرة وأسرته.. الرؤية البريطانية

ريبورتاج 2018/11/29
...

د. مؤيد الونداوي
 
 
 
تقديم
الحرب العالمية كانت قد بدأت بتاريخ 28 تموز واصبحت الدولة العثمانية طرفا في الحرب في 29 تشرين الأول /اكتوبر 1914 وبتاريخ 5 تشرين الثانينوفمبر اعلنت بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية بينما في 6 تشرين الثاني نوفمبر باشرت القوات البريطانية عملياتها العسكرية في منطقة الفاو. مع انطلاق الحملة البريطانية لاجل احتلال البصرة كان طالب باشا يحاول ترتيب مستقبله السياسي من خلال تواصله من السير بيرسي كوكوس المقيم السياسي البريطاني في الخليج. وقتها كان كوكس يرى ان سيد طالب لا يزال مواليا لتركيا وانه يحاول تأليب ابن سعود للقتال ضد بريطانيا، وكان يرى ان على سيد طالب ان يغادر طواعية الى الهند ولحين ان تنتهي الحرب. لم تنفع توسلات سيد طالب ورسائله التي كتبها من بعد ان غادر البصرة فقط قبيل الانزال البريطاني في الفاو وكان قد ارتحل الى الكويت ومنها الى البريدة لاجئا لدى ابن سعود.
المراسلات البريطانية تشير الى ان كوكس اصر ان يبقى سيد طالب بعيدا عن البصرة طوال فترة الحرب والحين اقامة ادارة جديدة وتحقق الامن والاستقرار في بلاد النهرين. وقد استجاب سيد طالب لهذا المطلب وغادر فعلا الكويت باتجاه بومبي بتاريخ 20 كانون الثاني 1915 على ظهر السفينة Baroda . هذا وقد اوصى كوكس ان يتم منحه مبلغ 1200 روبية شهريا لتغطية نفقاته يتم صرفها من باب موارد البصرة وايضا اعتباره ضيفا على الحكومة. امضى سيد طالب وقتا طويلا في منفاه وكان من الناحية العملية محكوما عليه بالإقامة الجبرية في مدينة بيلاري من بعد ابعاده عن مدينة بومبي.  
هنالك تقارير كثيرة عن سيد طالب واسرته احدها كان قد كتبه القنصل البريطاني في المحمرة وكان هذا القنصل قد امضى اكثر من 12 سنة في وظيفته هذه وتعرف عن قرب الى اسرة نقيب البصرة. التقرير المعروض هنا يعد واحدا من اهم التقارير  الموسعة عن تاريخ سيد طالب واسرته وهو تقرير كان قد كتب في منتصف عام 1916 من قبل احد افضل الخبراء البريطانيين وقتها وهو هنري دوبس والذي من بعد كان قد خلف السير بيرسي كوكس واصبح مندوبا ساميا في العراق في عام 1923، ولقد وجدنا من المفيد ترجمته وبيان ما ورد فيه من معلومات وتفاصيل جديدة لم يكن الكثير ممن تناول سيرة سيد طالب بالبحث والتوثيق قد توصل اليها.
 
ترجمة تقرير هنري دوبس
اسرة نقيب البصرة تدعي نسبها واصولها الى السيد احمد الرفاعي الذي مرقده شاخصا في وسط الجزيرة على منتصف الطريق بين منطقة البو دراج والحي. هو تماما سني المذهب ولا يحظى باحترام من طرف الشيعة. مساحات واسعة من الاراضي منحت من وقت لاخر الى النقيب لاجل ان يحافظ على مرقد السيد احمد الرفاعي وايضا للحفاظ على مرقد اخر معروف وبشكل اقل وهو مرقد السيد شعبان الذي يقع ما بين البصرة والزبير. هذه الاراضي لعلها ملحقة بوصفها وقفيات والنقيب يعد متوليا عليها وان النقيب ملزم استنادا للقوانين الدينية باستخدام العوائد المالية عن هذه الاراضي لاجل ان يبقي على المراقد وان النقيب الاخير هو سيد طالب واصله من مندلي وقد خلف اخيه غير الشقيق عبد الرحمن وان مشجرة سيد طالب تشير الى وجود ابناء له وهم  السيد عبد الرحمن (المتوفى سنة 1864وهو طفل) و شقيقة وايضا السيد محمود سعيد (المتوفى في 1896من بعد ان تخلى عن مسؤوليته في 1890).
 
سيد رجب النقيب
السيد محمود هذا لديه ولدان هما  سيد احمد (المتوفى في 1904ولديه ولد هو سيد هاشم) وسيد رجب (حاليا النقيب وقد تم تعيينه في 1890). السيد رجب لديه ثلاثة اولاد هم احمد ويوسف وسيد طالب.
 وكما يبدو انه وفي حدود عام 1890 فان النقيب الحالي السيد رجب وتحت نفوذ اخيه سيد احمد والذي تمكن من تحقيق ثروة من خلال اعمال تهريب السلاح تمت ادارتها عبر استخدام الرشى وايضا بوسائل اخرى تم استخدامها للحصول على اراض مختلفة تم حيازتها من طرفه بوصفها اوقاف ملحقة ومسجلة لدى قسم الطابو وبوصفها ممتلكات خاصة لنفسه ولشقيقه ايضا.
 هذا ما حققه لنفسه سيد احمد وفيما عدا ذلك فان الاملاك الوقفية تعود ارثيتها الى الفرع الاقدم بوصفهم هم المتولين عليها. ولقد صادف ان حدث في البصرة ان تعين وبطريقة استثنائية واليا شريفا وهو حمدي باشا. ولقد سمع بما جرى بهذه الوقفيات مما استدعاه ان يتحرك لمنع التزوير. ولهذا فان السيد رجب استخدم نفوذه في اسطنبول لاجل اعفاء الوالي. من بعد وقت اخر تم تعيين حمدي مرة اخرى واليا على للبصرة وسرعان ما دخل بصراع مع النقيب. السيد رجب اتفق مع الشيخ مبارك صاحب الكويت والذي هو الاخ لم يكن على ود مع حمدي باشا الذي وقف حازما مع اسرة النقيب بسبب صلاتهم في اعمال تهريب الاسلحة وارسل ايضا سيد طالب ولده الى القسطنطينية لاجل الابلاغ بان جميع المشاكل مع شيخ الكويت سببها حمدي باشا. هذه كانت اول مناسبة للسيد طالب لكي يصل الى القسطنطينية وعالمها السياسي. ولقد نجح في عزل حمدي باشا وفي الحشد لاجل تعيين الوالي محسن باشا وهو قائد عسكري وكان على علاقة ودية مع الشيخ مبارك والنقيب.
 
 الشيخ مبارك
استنادا لهذا النجاح ودعم الوالي الجديد فان محسن باشا والشيخ مبارك وسيد طالب اصبحوا  الشخصيات النافذة في البصرة. وكانت خطوته التالية وذلك في عام 1900 ضمان دعم الشيخ خزعل صاحب المحمرة وذلك من خلال قتل عبد الله افندي و راوندوزي (من الكرد) وهما العدوان الاساسيان للشيخ خزعل. بساتين النخيل ذات القيمة العالية لاسرة المحمرة قد تم تسجيلها باسم مزعل وهو الاخ الاكبر للشيخ خزعل. مزعل كان مواطنا تركيا ولهذا سمح له لان يمتلك الارض. وعندما تم اغتيال مزعل في المحمرة فان الشيخ خزعل اتخذ الخطوات لان يتم تسجيل بساتين النخيل وتحويلها لتكون باسمه. من طرف راوندوزي ابرق الى القسطنطينية موضحا بان خزعل هو مواطن فارسي وليس بوسعه واستنادا للقانون ان يمتلك اراضي في تركيا. ولقد ادعى ان 10% من قيمة الارض مبلغ عنها..ولهذا فان الميرزا حمزة وهو وكيل الشيخ قد تباحث مع سيد طالب والذي رتب اطلاق النار على راوندوزي في شوارع البصرة من قبل اثنين من رجاله .وخوفا من هكذا اعمال فان السلطات التركية سمحت بفتح الطريق ووافقت على ان يتم تسجيل الممتلكات باسم الشيخ خزعل. السيد طالب كان بذلك الاداة في جعل الشيخ خزعل يعترف به بوصفه مالكا لممتلكات في البصرة. وابتداء من ذلك الوقت ومن بعده السيد طالب قد تسلم سنويا مبالغ كبيرة من طرف شيخ المحمرة وشيخ الكويت كي يقنعوه برعاية مصالحهم في البصرة.
 وفي حدود عام 1902 استخدم سيد طالب الدعم الكبير من طرف الوالي والشيخ مبارك وخزعل وتم تعيينه متصرفا على الاحساء ولكن هذا النظام كان قاسيا مما معه ان تم وبسرعة ازاحته وعودته الى البصرة. 
السيد طالب مع عمه سيد احمد الان أنشاء معا مجموعة من الفتوة والقبضايات يمارسون الابتزاز على الاغنياء جميعا ويسلبون اي شخص يرفض خدمتهم باستخدام اساليب نهب محترفة ما اخفاه في منزله. من بين الكثير من الامور فقد نهب وبشكل علني عبد الرزاق ابن الحجي طه. سمعته وسيرته قد امتحنت عام 1904 عندما تم عزل صديقه الوالي محسن باشا.  وتعيين رجل قوي هو مخلص باشا. من طرف مخلص باشا احاط بمنزل طالب وسيد احمد وقام باعتقال جميع افراد عصابتيهما المستأجرين الاوغاد. السيد احمد توفي مهموما في نهاية عام 1904 والوالي الجدي فكري باشا في بداية عام 1905 ازاح سيد طالب وارسله الى القسطنطينية حيث اصبح فيها عضوا في سراج دولة. في القسطنطينية تمكن طالب من اقامة علاقات صداقة مع السيد عبد الحيدر والامير عزالدين والذي من بعد قد تم اغتياله.
وعندما جماعة الاتحاد والترقي قد اسست في بداية 1909 فان سيد طالب عاد الى البصرة وحاول ان يتم الاعتراف به بوصفه رئيسا للحزب الجديد في البصرة. ولكنهم قد خشوا منه ومن اجل التخلص منه وابعاده عن البصرة فقد تم ارساله بوصفه نائبا الى القسطنطينية. فيها اصبح صديقا الى صادق بيك وكليهما أنشئا  فكرة الحر المتحد او حركة الاحرار المعتدلين (moderate liberal movment ) والتي عمليا اصبحت اسما سياسيا لحزب الشباب العربي و عاد طالب على اثر ذلك الى البصرة لاجل معارضة حزب الاتحاد والترقي فيها وحصل على موفقة وصداقة الوزير الاعظم الراحل كامل باشا في عمله هذا. اهم معاونيه وشركائه في البصرة كانوا عارف بيك ماردينلي (حاليا في القسطنطينية) و  احمد الصانع باشا، وعبد اللطيف المنديل، والشيخ ابراهيم صاحب الزبير. بينما اهم خصومه كانوا سعدون باشا صاحب المنتفج والذي كان يدعو لصالح الخضوع الى جماعة الاتحاد والترقي. من طرف سيد طالب دمره وذلك مطلع عام 1911 من خلال ايقاعه بالشرك وتسليمه للوالي من ان كانت المنتفج قد تمردت ضده. سيد طالب لهذا حصل على عدوله وهو عجمي ابن سعدون.
وعندما كمال باشا اصبح الوزير الاعظم ( Kimail Pasha – Grand Vazir) في عام 1912 فقد نصح سيد طالب بان يتصل مع الانكليز. ومن اجل اعتماد هذه السياسة فقد زار سيد طالب القاهرة مطلع 1912 واقام علاقة صداقة مع الخديوي واللورد كتشنر (Lord Kitchner )، وعند عودته من مصر ذهب الى سملا ومعه رسالة لاجل تسهيل لقائه مع القنصل البريطاني في البصرة السيد Crow وايضا ليلتقي مع اللورد Hardinge.
 
اللورد كتشنر
وفي طريق عودته من سملا في عام 1912 حصل سيد طالب على دعم واسناد شيخ الكويت وشيخ المحمرة ولعله ايضا دعم الانكليز وكما يبدو ولاول مرة تبنيه فكرة حكم ولاية البصرة  من قبله وفي ان يكون شيخا او اميرا على جميع عرب البصرة. وكما يبدو قد تخلى في هذه المرحلة عن افكاره السابقة بشان اقامة حكومة ديمقراطية من قبل المجتمعين من السكان العرب المحليين وتبنيه فكرة كونفدرالية كبيرة تضم الشيوخ العرب وامراء كل واحد منهم حاكم مطلق في مقاطعته ولكنهم متحدون لاجل تحقيق الاهداف العربية لربما تحت اسم سلطان على رأس سلطنة. الكونفدرالية وكما يبدو تشمل شريف مكة والامام يحيى في اليمن والسيد ادريسي وابن رشيد وابن سعود وشيخ المحمرة وشيخ الكويت وان السيد طالب بوصفه شيخا او اميرا على ولاية البصرة. وعن كيفية تمثيل القبائل الكبيرة في بغداد فانه امر لم يكن واضحا لديه ولكن الزعماء الاكراد بالوسع ان يسمح لهم بالانضمام الى الحركة.
 
الشيخ عجمي السعدون
الخطوة الاولى الضرورية للسيد طالب كان تحديدا في ان يجعل من نفسه الشخصية الاعظم في ولاية البصرة. بهذا الاتجاه قد حاول ان يحققه من خلال اقامة وتأسيس علاقات صداقة مع شيوخ العمارة ومن خلال شيخ المحمرة ومن خلال ممارسة نفوذه لتامين عقود الايجار لهؤلاء الشيوخ في دوائر البصرة المعنية. في ذات الوقت حاول لان يتولى منصب المنتفج من خلال الفوز بعبد الله الفالح  منافس كل من سعدون باشا وعجمي وهو احد المطالبين بالرئاسة على عشائر المنتفج. هذا ما فعله سيد طالب من خلال احمد السنية باشا.  واخيرا اقنع الوالي لدعم عبد الله الفالح ضد المستأجر المتمرد للمعامر الحجي نغيمش وان يضع اسرة فالح في عام 1913 في حيازة هذه الاراضي ذات القيمة العالية والتي ومنذ وقت طويل لا تستغل من قبلهم.
وبعد ان امن سيطرته مؤقتا على جميع عرب ولاية البصرة فان سيد طالب انطلق في نيسان 1913 لإثارة الرأي العام ضد قانون الولاية الجديد وهدد باستخدام القوة ضد الوالي. توجهاته هذه فجأة تعثرت نتيجة لوصول عجمي ومعه قوة كبيرة تواجدت خارج البصرة وكما يبدو وبوضوح انها قد جاءت لدعم الوالي وايضا جمعية الاتحاد والترقي ضد سيد طالب. في ذات الوقت والي البصرة علاء الدين بيك ومعه القائد العسكري فريد بيك كانوا قد تسلموا تعليمات سرية من القسطنطينية لمساعدة عجمي وقتل او القبض على سيد طالب. اندلع القتال في البصرة بين اتباع عبد الله الفالح وعجمي. رجال عجمي اكثر فاكثر اندفعوا الى داخل البصرة وبموافقة وتغاضي الوالي والقائد العسكري وبات كما بدا ان وضع سيد طالب قد بات محفوفا بالمخاطر بشكل كبير عندما وبتاريخ 19 حزيران 1913 اتباعه قد قاموا باغتيال القائد العسكري عندما كان ينزل من قاربه في خور العشار وايضا اصابوا متصرف المنتفج  بجروح على نحو قاتل والذي كان برفقته. هذه التطورات جعلت الحكومة التركية تشعر بالخوف. وقد تم عزل الوالي ونصبت بدله وكيل هو عزت بيك وذلك في شهر اب 1913 وقد تم نشر برنامج اصلاحي الذي قدم العديد من التنازلات الى العرب. هذا الامر وكما يبدو لم يقنع اللجنة العربية والتي مع نهاية شهر اب قد وزعت بين الجنود والقبائل العربية رسالة وخطاب مطول يدعو جميع الرجال من الاصول العربية للثورة والانتفاضة والاطاحة بالاستبداد التركي من خلال التأكيد على استقلال العراق. انور بيك الذي الان قد بات في السلطة امر القائد العسكري لاعتقال سيد طالب ولكن القائد ابلغه بانه عاجز. في كانون الاول 1913 سيد طالب ارسل خطابه التهديدي الثاني الى القسطنطينية. من طرف انور بيك عندها ابرق له مقدما عروضا وقائلا انه قد امر ولات البصرة وبغداد لان يستشيروه بكل شيء. السلطان اصدر فرمان له والى سيد طالب صدر في كانون الثاني 1914 يوضح بان جميع الخلافات قد تمت ازالتها بينه وبين الحكومة التركية وانه وفي المستقبل يفعل ما بوسعه لاجل الحفاظ على الوحدة
 العثمانية. 
اخيرا وفي شهر مايس 1914 السيد طالب وكما يبدو قد وصل الى ذروة قوته. وزير الداخلية ابرق له عارضا عليه ان يختار ما بين منصب سفير او وال او عضو في مجلس المبعوثان، وفي تموز ابلغ طلعت باشا السفير البريطاني بان السيد طالب سيكون واليا على البصرة.
 في هذا الاثناء جاويد باشا والي بغداد وكما يبدو كانت لديه تعليمات سرية لاجل اعتقال سيد طالب. لقد حاول اقناع صبحي بيك لينفذ ذلك ولكنه اخفق، وباشر بنفسه بالنزول الى البصرة ومنذ شهر تشرين الاول 1914  وبهدف اعتقاله ومعه قوة عسكرية كبيرة وقد وصل بعيد اندلاع الحرب مع بريطانيا العظمى. سيد طالب كان لديه معلومات عن اهداف جاويد ولهذا انسحب الى الكويت ظاهريا مع هدف المفاوضة  من اجل ان يجعل ابن سعود للوقوف على الضد من الانكليز. السيد طالب كان لا يزال في الكويت عندما الانكليز فعليا قد احتلوا البصرة. لقد افرط بما قدمه من مطالب كثمن عن المساعدة التي يمكن ان يقدمها وعندما تم رفض هذه المطالب فقد انسحب طوعا الى الهند. يقال بان شيوخ المحمرة والكويت لم يعودا راغبين بعودته منذ ان باتت اراضيهم في منطقة  البصرة قد اصبحت امنة الان ولم يعد بوسع سيد طالب ان يستخدمها.
التوقيع
Sd. H. Dobbs
هنري دوبس
البصرة – 19 تموز 1916