تفــاوت نتائـج اختبــار {بيســا}

بانوراما 2020/01/25
...

ترجمة: مي اسماعيل
يختبر وزراء التعليم في دول عدة حول العالم طعم التوتر الذي يُنزلونه بالطلبة، وهم ينتظرون (مرة كل ثلاث سنوات) نتائج اختبار "بيسا- PISA" الدولي لجودة التعليم. يتكون "البرنامج الدولي لتقييم الطلبة" المعروف اختصارا بكلمة "بيسا" من مجموعة اختبارات لمهارات الطلبة بالقراءة والرياضيات والعلوم في 79 دولة، ويقدم مؤشرا محايدا لجودة أنظمة التعليم المشاركة فيه. أما النتائج فينكب عليها موظفون دؤوبون لتدقيقها بحثا عن أسباب النجاح والتفوق، كما يدرسها السياسيون دفاعا عن الاصلاحات التي طبقوها. 
نُشِرت نتائج أحدث الاختبارات في الثالث من كانون الاول الماضي، بعد نحو عقدين من إجراء أولى تلك الاختبارات سنة 2000. شارك في نسخة العام الحالي نحو ستمئة ألف طالب، تتراوح اعمارهم بين 15 و16 سنة، بعدما انخرطوا في التعليم الرسمي لدولهم نحو ست سنوات على الاقل. أما الدول المشاركة فقد ضمت أعضاء "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- OECD" (الغنية منها عموما)؛ وهي المنظمة التي تدير اختبارات "بيسا"، فضلا عن 42 دولة متطوعة تراوحت بين ألبانيا وفيتنام. تعمل منظمة "OECD" على تعديل نماذج الاسئلة لتكون ممثلة لجمهور الطلبة في الدولة المعنية، لتأتي النتائج متوازنة على نطاق موحّد. 
 
التفوق في الوقت المعاصر
ساد الأمل عند مطلع الألفية الجديدة بأن ثروة المعلومات الجديدة ستساعد على تمييز الخطوط التي تزيد من نجاح الانظمة المدرسية، وتحفز الآخرين على الاقتداء بها؛ وبالتالي تقود لارتفاع النتائج الايجابية للنظم التدريسية في الدول. لكن الامور لم تجرِ على ذلك النسق؛ فرغم ارتفاع معدل إنفاق دول منظمة "OECD" على التدريس بنسبة 15 بالمئة لكل طالب، ما زال متوسط الأداء في القراءة والرياضيات والعلوم لدى الطلبة كما هو عند بدء الاختبارات. كما أظهر الاستطلاع العشوائي لأداء الدول المتنوعة تساوي احتماليات التقدم مع 
التراجع.  
قدمت لائحة هذا العام الكثير من النقاط المشرقة؛ إذ تحسنت نتائج سنغافورة المتقدمة أساسا، لكنها رغم ذلك لم تعد صاحبة أعلى إنجاز؛ إذ احتلت الصين هذا الموقع.. أو بمعنى أدق- احتلته مدن بكين وشنغهاي وجيانغسو وغوانغدونغ (تمتنع منظمة "OECD" عن ادراج نتائج مناطق صينية اخرى لعدم امكانية ضمان مدى صحتها). 
يبلغ معدل درجة تلميذ الرياضيات في أجزاء الصين تلك: 591، مقارنة مع معدل دول "OECD" وقدره 489، وهذا يعني أن اولئك الشباب المحليون يتقدمون بنحو ثلاث سنوات على طلبة دول "OECD" 
الاعتياديين. 
كذلك أظهرت الدول التي كانت تحتل مواقع متوسطة (ومنها- الاردن وبولندا وتركيا) تقدما 
جيدا. 
دقة الخيارات
يمكن القول انه في مقابل كل سنغافورة (الدولة دائمة التقدم) هناك فنلندا؛ التي كانت مثلا يحتذى للآخرين، أو أي دولة اخرى شهدت نتائجها تراجعا. ويعزى السبب جزئيا لغياب التقدم العام الى تناقص تأثير المدارس على النتائج مما يفترض الناس عادة؛ مع تزايد تأثير الثقافة والمجتمع على الطلبة.. مما يعني أنه لن يكون باستطاعة حتى أفضل واضعي السياسات التعليمية أن يُحدثوا الا فرقا قليلا. وهو ما يصفه "جون جيرم" من "كلية لندن الجامعية-University College London " قائلا: "سيكون هناك دائما دول شرق آسيا المتفوقة". 
لو كانت هناك وصفة سحرية للتفوق لكان قد جرى اكتشافها منذ زمن؛ لكن هذا لا يعني أن التحسن أمر مستحيل، أو أنه لا يوجد ما نتعلمه من اختبارات "بيسا". رأت العديد من الدول نتائجها تتقدم أو تتأخر دون حدوث تغيرات ثقافية دراماتيكية، وكما تشير البيانات فإن جزءا من سبب غياب التقدم العام (رغم ارتفاع معدلات الانفاق) هو أنه بعد مستوى معين (المجموع التراكمي لنحو ستمئة ألف طالب، بسن 15-16 سنة) لا توجد علاقة قوية بين الانفاق ونتائج الاختبارات. لكن المشكلة تكمن في أن العديد من وزراء التعليم لا يعيرون اهتماما لتلك الدلائل، بينما يشعر آخرون بأنهم مقيدون بتلك الحقائق حتى يلجؤوا لسماع آراء المدرسين والآباء (الذين ربما لا يقدمون الخيار السليم دائما). 
يتحسر "أندرياس شليشر" رئيس هيئة التعليم بمنظمة "OECD" على حقيقة أن العديد من الدول أعطت الأولوية لتقليص عدد الطلبة في الفصل الدراسي بدلا من توظيف وتدريب مدرسين ممتازين؛ رغم وجود دلائل بأنها ليست الفكرة الافضل. ويشير هنا الى من أعطوا لجودة المدرسين الأولوية على حجم الصفوف- شنغهاي.. وكذلك سنغافورة؛ وهما تحصدان اليوم منافع هذا التخطيط. 
 
مجلة "ذا ايكونوميست"- الدولي