النقد الساخر

الصفحة الاخيرة 2018/11/30
...

حسن العاني 
 
لا أحد من أساتذتي وزملائي الصحفيين، إلا ويحتفظ في مكتبه بعشرات الدروع والشهادات التقديرية ومقالات الاطراء بحقه، مثلما يحتفظ ببضع كتابات تختلف معه في الرأي، أو تحاسبه او تنتقده، ولا اخرج عن هذا السياق، وقد اخترت ثلاث حالات من هذا النمط، اولها مقالة للسيد (ياسين لعيبي)- لا اعرفه شخصياً- جاءت تحت عنوان (رسالة مفتوحة الى رئيس التحرير ومستشار التحرير)، وقد وصلت الى جريدة "الصباح" عن طريق البريد، وتوليت شخصياً نشرها في العدد (155) بتاريخ (3/1/2004) يوم كنت اعمل بعنوان مستشار تحرير. 
بدأ السيد لعيبي مقالته بالثناء على جريدة "الصباح"، ثم على الزميل اسماعيل زاير، رئيس التحرير في تلك المرحلة، لكون عموده اليومي (هذا الصباح) يبعث الامل في النفوس.. اما العمود الذي يحمل عنوان (صباح الخير) لحسن العاني، فانه يهاجم مجلس الحكم بقسوة ولا يشيد بجهودهم العظيمة.. الخ، وفي ختام رسالته التي خصص 85 % لمهاجمتي بلغة مهذبة يخاطبني قائلاً (اتمنى ان نقرأ لك عسلاً من دون سموم)، وكنت برغم بعض مقاطعها الموغلة بالايذاء، اشعر بسعادة حقيقية، لانه وانا والاخرين نشيع ثقافة التعبير عن حرية الرأي والرأي الاخر، اما وجود عبارة قاسية هنا، او مفردة تفتقر الى اللياقة هناك، فيمكن ان تتوارى مع الزمن لتحل محلها لغة النقد الموضوعي...
الحالة الثانية، وهي اغرب مقالة (شتائمية) بحقي، كانت مع أحد اصدقائي المقربين، الذي كان حريصاً كلما زار مجلة "الف باء" على ان يمر بي ويصافحني ويسمعني بضع كلمات رقيقة... هذا الصديق غادر العراق بعد (2003)، ونشر مقالة طويلة في جريدة اسمها (الصوت) تصدر في الاردن، خاصة به على ما اظن، تحت عنوان (ولله في خلقه شؤون)، وذلك في (العدد 18 السنة الاولى/بتاريخ 2007/9/1)، وقد تضمنت المقالة التي اخذت مكان الافتتاحية اطناناً من الكلام المبتذل بحقي، لكوني اهاجم النظام السابق عى حد تعبيره، حتى أنه وصفني بالحرف الواحد قائلاً (هذا الرجل يعاني من تفاهة ما يكتب وقصر القامة ومجانبة الحظ له)، ثم يخطو خطوة ابعد حين يرى بان منعي من الكتابة، كان بسبب مدائحي الكثيرة لصدام حسين، وبعدها نعتني بناكر النعمة لافضال النظام السابق، وبأنني (أسود القلب مثل الباذنجان، سيئ الحظ مثل بريمر، تافه مثل بوش..الخ)، غريب هذا الكائن، انه لا يعرف حتى كيف يشتم...
أقسم ان حرفاً من هذا الكلام المبتذل لم يزعجني، ولكن الذي أزعجني حقاً هو سوء تقديري للاصدقاء، فانا احب الرجل بصدق واحترمه، واحيي فيه تلك المحبة التي كان يخصني بها كلما التقينا، ولكنني لم أكن أعرف قبل تلك الافتتاحية ان النذالة يمكن لها الاختباء وراء ابتسامة عريضة، كما يمكن لها أن تكون بلا حدود، ومع ذلك فأن اعرف الرجل على حقيقته بعد اربع سنوات، أفضل من بقائي مخدوعاً طول العمر!!
الثالثة كانت في عام 2015، وأنا اتحدث في جلسة شبه خاصة مع مجموعة من الزملاء الاعلاميين، حين سألني احدهم (استاذ... انا من اشد المعجبين بكتاباتك، لانها تجعلني اضحك من قلبي، وهذه موهبة، فإذا طلبت منك الان بصورة مفاجئة ان تروي لنا نكتة جديدة، هل تقدر على ذلك)، لعل احداً لم يشتمني مثل هذا الزميل الذي ذهب به الوهم الى الظن بأن الكتاب الساخرين، هم نفر من لاعبي السيرك مهمتهم اضحاك الناس، وكنت واثقاً انه لن يستوعب معنى الطير الذي يرقص مذبوحاً من الالم مهما شرحت، ولهذا اعتذرت من الحضور وغادرت المكان موشوماً بالحزن، وفي روحي جرح لم يبرأ...