بين حسن السلمان و احمد السعداوي

ثقافة 2018/11/30
...

حسن الكعبي 
 
يشير د. كمال غنيم بأن القصة القصيرة  ( تعتمد على الانتقاء، حيث تقوم على الاختيار الدقيق للأحداث اللازمة وعزلها بطريقة فنية عن الأحداث الأخرى التي لا ضرورة لها، التزاما بضيق زمن القراءة الذي يتطلب عرض ما يهم المتلقي في إدراك الفكرة التي يرمي إليها الكاتب دون تشتيت انتباهه وتركيزه بسرد أحداث بعيدة عن هدف القصة) فالقصة القصيرة أو الأقصوصة، كما يشير انريكي اندرسون هي (سرد نثري موجز، يُدخل فيه القاص مجموعة من الأحداث المتخيلة او الواقعية). ان هذه التعاريف لعناصر القصة ينتهي الى نتيجة واحدة هي ضرورة الايجاز والتكثيف ومراعاة الوحدة الموضوعية للقصة واهدافها في سياق اقتصاد لغوي ودون مغالاة باثقالها وارهاقها بشخصيات فائضة وباسهاب  يقضي على العمل القصصي ويدفعه الى منطقة بعيدة عن منطقة القص، الى منطقة يصعب فيها تصنيف هذا العمل الذي لم يراع ضوابط ومشترطات القصة القصيرة كما تواضع عليه نقاد ومنظرو القصة القصيرة.
ضمن الاطار العام لمشترطات القصة القصيرة سنعمد الى مقاربة نقدية تتتبع البناء الفني لتجربتين من تجارب القصة العراقية هما - احمد سعدواي وحسن السلمان – 
 
 وحدة الانطباع 
يشير ادغار الن بو الى ان اهم عنصر من عناصر القصة القصيرة هو (وحدة الانطباع الذي يميزها دون الاجناس الاخرى) وبو هنا يضع مفهوم وحدة الانطباع بالضد من مفهوم الاحادية ويقصد بذلك ان القاص عندما ينهي عمله وفي متخيله ان هذا العمل قصة قصيرة فلابد ان يتولد هذا الانطباع عند القارىء ايضا، بمعنى ضرروة وجود اتفاق بين الباث والمتلقي على تحديد جنس العمل بغية تحقق وحدة الانطباع.
تتميز نماذج حسن السلمان القصصية بقوة استهلالها وبالتركيز على الهدف او القضية الاساسية التي تتضمنها، وبالتكثيف والايجاز ودون وجود شخصيات فائضة في النص تشتت ذهن القارىء بخلقها لتفريعات حكائية او حكايات فرعية لاتحتملها القصة القصيرة كجنس ادبي له محدداته ومشترطاته الفنية، فقصة (معجزة في الوقت الضائع).
 تتمحور ارسالياتها حول اب على فراش الموت يطلب من ابناءه عنبا وهو في غير موسمه وازاء عجز الابناء كما يخبر السارد الضمني – الابن -  فان الاب يوبخهم بقسوته المعتادة التي تميز شخصيته التي تتوضح للقارىء كشخصية تتمتع بقوى خارقة وجسد عملاق مع قسوة طاغية تذكرنا بتماهيها مع الشخصيات الاسطورية (كلكامش او انكيدو)، كما تتوضح ملامح الشخصية في سياق انسجام افكارها العدمية والعبثية مع المناخ الفكري العالمي لاباء فكر الطبيعة واثرها في تطور الانسان على النحو الدارويني وتشريعاتها العبثية للموبقات التي تنسجم مع رؤى زوربا اليوناني، وبين هذا وذاك تظهر تناقضاته من خلال تناغمه مع المناسبات الدينية وطقوسياتها، ومع ذلك فان المعجزة تتحقق له بحصوله على عنقود عنب، كما يخبر السارد الذي يقول وازاء ذهولنا سألناه من اين لك هذا فنظر الى السقف ومات، وهي نهاية ترتقي للعنونة وتنسجم مع الاستهلال، معتمدة على اسلوب المفارقة .
تحقق القصة وحدة الانطباع الذي يراهن عليه - بو- كاهم عنصر من عناصر القصة،  وتتفق تماما مع المشترطات الفنية للقصة القصيرة فقد عرضت بايجاز وتكثيف جوانب كثيرة من حياة الشخصية دون اسهاب.
 
احادية الانطباع 
في تجربة السعداوي 
اذا كان شرط وحدة الانطباع قد تحقق عند السلمان في سياق تماهيه مع مفهوم بو فان السعداوي بخلافه انتج المفهوم الضد لهذا الشرط أي مفهوم الاحادية والذي يشير كما تقدم الى ان الكاتب حين يقرر في متخيله انه يكتب قصة فان المتلقي لن يتفق معه وسيجد نفسه ازاء متاهة تجنيس النص وتصنيف ماقرأه، فنماذج السعدواي القصصية المبثوثة في مجموعته  (الوجه العاري ... داخل الحلم) تمثل تمردا كاملا على كل محددات فن القصة ومشترطاتها، نتاج الهوس بتلاحق الاحداث وتشتتها و بتعدد الشخصيات وسرد تفاصيلها دون مبرر فني يساهم باضاءة جوانب الشخصية المركزية هذا ان وجدت هنالك شخصية مركزية داخل المتن وانما هو يرهق كاهل النص بحكايات فرعية لا ترتبط بهدف النص، ومحاولاته لربط الشخصية بخيط سردي هي محاولات 
واهية .
وسنكتفي بالتعرض لقصة - عشبة الندم - التي ستكون مصداقا على ماذهبنا اليه وكذلك هي نموذج صالح للتطبيق على بقية قصص المجموعة التي بنيت بالاسلوب ذاته، فهذه القصة ومنذ استهلالها الذي يتكفل بسرده ياسر شقيق جبران الحاج المتوفى وهو شخصية تحمل مساوىء لا تعد ولا تحصى، ويحاول ياسر ان يتذكر شيئا حسنا عن هذه الشخصية بعد وفاتها فلا يتذكر سوى انه اجتمع به مره وكان يائسا وان الجبران اخبره بانه ارتكب جرائم فظيعة وانه يشعر برغبة عارمة للندم، وبعد ذلك يكتشف ياسر ان شقيقه تناول عشبة الندم التي تسببت بوفاته، ومجرد هذا الاستهلال يقضي على امكانية انفتاح السرد على حالات اخرى فما الجدوى من البحث عن عشبة للندم لشخص بلغ قمة الندم و ذروته اذ ما يعني الاعتراف بالجرائم والرغبة بالبكاء وانه اجوف لا يحمل أي مشاعر ألم يكن هذا شعورا بندم كبير، لكن القاص ورغم ذلك يجعل  الاحداث تتطور رغما عنها  ليكتشف ان هنالك اشخاصا شربوا عشبة الندم  هذه العشبة التي تقضي على من لا يستحقها وتمنح حياة جديدة لمن يستحقها وقد تناولها العديد ممن يرغبون 
بالندم .