نجاح العلي
على الرغم من تحسن ترتيب العراق في تقارير الشفافية الدولية في مؤشر الدول الاكثر فسادا في العالم ، إلا ان هذا التحسن مرده الى سياسة التقشف وتوقف الكثير من المشاريع لانشغال العراق بتحرير مدنه من عصابات داعش الارهابية وليس بسبب الاجراءات الرادعة بحق الفاسدين ،ومن المتوقع ان ترتفع الرغبة في عمليات الفساد المالي والاداري مع زيادة ميزانية الدولة العراقية بالتزامن مع ارتفاع اسعار النفط والتوجه الحكومي والدولي نحو اعمار المحافظات والمدن المدمرة جراء العمليات العسكرية.
تشخيص الفساد سهل وبالامكان الاستدلال عليه ببساطة ولكن منعه والحد منه يحتاج الى ارادة قوية وتشريعات وتعديلات على بعض القوانين ودعم الاجهزة الرقابية وتنظيفها من المتواطئين مع الفاسدين ، والاجهزة الرقابية المقصودة هنا هي ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين ولجان النزاهة في مجلس النواب العراقي ومجالس المحافظات.
وبحكم خبرتي الشخصية في العمل الرقابي مع خمسة مفتشين عموميين يمكن تسجيل عدد من المقترحات التي قد تسهم في الحد من الفساد المالي والاداري واولها (التدوير الوظيفي)وهو مصطلح اداري يعني تداول المناصب بين الموظفين والعاملين في المؤسسات والدوائر الحكومية وهذا الامر ان طبق سيحد من تشكل كارتلات وتجمعات مصلحية فاسدة ، يغطي بعضها على بعض ويدعم بعضهم البعض الآخر والتي قد يكون بينهم افراد يعملون في الجهات الرقابية يغضون البصر عن عمليات الفساد ،مقابل منافع مادية ومعنوية مما يصعب من مهمة الكشف عن عمليات الفساد وهذا مانلاحظه انه ما ان يتم تغير احد الوزراء او المسؤولين وتتم مراجعة ملفاتهم المالية والادارية حتى يتم اكتشاف حالات فساد وتواطؤ وهذه الملفات يكون قد مر عليها بضع سنوات ومن الصعب استرجاع هذه الاموال ،لان اصحابها خرجوا من العمل الوظيفي واحيلوا الى التقاعد وبعضهم سافر مع عائلته الى خارج البلاد ،بعد ان امن وضعه المالي والمعيشي من السحت الحرام. والنقطة الاخرى والمهمة جدا ،انه بحسب فريق الخبراء الدولي لمواجهة الفساد الذي استعانت به الحكومة السابقة
، فان اولى توصياته ان اكثر عمليات الفساد وهدر المال العام تأتي عبر لجان المشتريات ولجان احالة العقود والمناقصات والتي اغلب اعضائها مقربون من المسؤولين الحكوميين ويرضخون لاملاءاتهم وبعضهم لايملك الخبرة والكفاءة في هذا المجال، بل الغريب في الامر ان اغلبهم لم يمر على تعيينهم بضعة شهور او تم نقلهم من وزارات اخرى ،ليكونوا ضمن الحلقة المقربة للمسؤول وحاشيته
، ويحتاج القضاء على هذه الحالات الى قوانين وتعليمات جديدة تلزم ان يكون اعضاء لجان المشتريات واحالة العقود والمناقصات ممن لهم خبرة وظيفية لا تقل عن خمس سنوات داخل الوزارة او المؤسسة الحكومية التي يعمل بها وهذا الامر يقطع المجال امام استغلال النفوذ الوظيفي للاستحواذ على المال العام. واخيرا ضرورة التنسيق وتضافر الجهود بين الجهات الرقابية وخاصة مكاتب المفتشين العموميين ولجان النزاهة في البرلمان ومجالس المحافظات للتعاون وتشخيص حالات الفساد ورفع التوصيات والحلول والمقترحات بشأنها ،بعيدا عن التسقيط السياسي والاعلامي الذي يسهم في اشاعة الفساد واستمراره بدل تحجيمه.