د. جاسم حسين الخالدي
ولكنَّه راح يسردُ للمشاهدين الأعمالَ الملقاةَ على عاتق النُّوابِ من بينها: انَّ كثيرا من طلبات التعيين وترفيعات الموظفين واحتساب خدماتهم السابقة وغيرها، بحاجة إلى إيصالها إلى الوزراء المعنيين، وكأنَّه اختزل عمل مجلس النواب بهذه الأعمال التنفيذية. وكنت أتمنى على مقدم البرنامج أن يقاطعه ليسأله، وهل هذه مهام مجلس النُّواب وأعضائه؟ للأسف أنَّ هذا الفهم المغلوط للمهام المناطة بالنُّواب أو حتَّى بالجهات التنفيذية، سواء أكانت الحكومة الاتحادية أم الحكومات المحليَّة، قد ساد في الحياة السياسيَّة العراقيَّة، فلم يفهم النائبُ أنَّ الشعبَ انتخبه ليكونَ نائبا يمثله في البرلمان، ويظهرُ تمثيله له في القوانين التي يشرعها؛ ولا سيما المهمة منها، مثل قانون الموازنة، والقوانين التي تُنظمُ حياتَه الاجتماعيَّةَ والاقتصادية، والمالية، أو ما يتعلق بسكنِه وتعليمِه وخدمتِه، ولكي ينهضَ بذلك، عليه أن يواظب في حضور جلسات البرلمان والا يتلكأ في متابعة كلِّ صغيرة وكبيرة تطرحُ فيها، وأن يعرفَ أن مهمته الأساس، هي حضوره المنتج في لجان البرلمان، ولا سيما إذا ما وضِعَ في مكانه المناسب، الذي ينسجم مع شهادته ومؤهلاته العلمية، عندها لن يحتاج المواطنُ النائبَ الذي ينتخبه أن يكون ( معقبا) أو (ساعي بريد) يحملُ طلباته للمسؤول، فالذي يريد التعيين، فلو عجَّل ممثله في مجلس النُّواب في الإسراع في تشريع قانون مجلس الخدمة الاتحادي، والذي يجدُ مشكلًا في ترفيعه أو احتساب خدمته، فإنه لم يواجهها لو شمَّرَ النُّوابُ كلٌّ بحسب المهام المناطة بهم أذرعتهم، وهكذا سنجد حلولًا ناجعةً لكثيرٍ من مشاكل البلاد المزمنة. فلا يمكنُ للوزير عندئذ أن يعملَ خلافًا للقانون؛ لأنَّه يعلمُ أنَّ هناك جهةً رقابيَّةً تراقبه، وتنظرُ في عملِه. كما أنَّ على النائبِ أنْ يعيَ أنَّ الشعبَ انتخبه لا ليكونَ محللًا سياسيا، يدخلُ في فضائيةٍ، ويخرجُ منها إلى أخرى؛ فيدخل في مماحكاتٍ سياسيةٍ مع هذا العضوِ، أو غيره. وهكذا يقضي يومَه بين (كافتريا) مجلس النُّواب أو القنوات الفضائية أو مقر كتلته.
إننا لا نحتاجُ إلى محللين سياسيين، لأنَّ ذلك من مهامِ غيرِهم، بل نحتاجُ إلى عضوِ مجلسِ نوابٍ فاعلٍ ومنتجٍ ومطلعٍ على الحياة بكلِّ مساراتها، فمن المعيبِ أن يعترضَ أحدُهم على تشريعِ قانونٍ ما، وهو من المصوتين عليه، ومن المعيب –أيضًا- أن تسأل عن قانون بعينه ولا يعرف النائب شيئًا أوليا عنه، نعم، قد لا يكونُ ذلك من اختصاصِه أو أنه مناط بلجنةٍ مختصةٍ، ولكن اطلاعه على القوانين وماهيتها وأهميتها وحاجة الناس إليها أمرٌ من صميمِ مهامِه.
لذلك نعجب حين يكرس المجلس بعض جهده للقاءات الخارجية، بحجة تحسين علاقات العراق مع الدول الشقيقة والصديقة، وينسى أن ذلك من عمل الجهة التنفيذية، وتحديدا رئيس الوزراء ووزير خارجيته اللذان يقومان بوضع الخطط والستراتيجيات، ومعاينة تنفيذها.
أو نجد رئيس مجلس النواب أو نائبيه أن ينهضوا بمهامٍ تنفيذيَّةٍ صرفةٍ، فهذه من مهام الوزير التنفيذيِّ أو المحافظ، أو مدراء الوحدات الإداريَّة أن يزوروا هذه المؤسسة أو تلك الجامعة.
يعزى ما نعيشه اليوم من واقع مأساوي إلى أنَّ هناك تداخلًا واضحا بين عمل السلطتين التشريعيَّة والتنفيذيَّة، فالنائب يعتقدُ أنًّه أعلى من سلطةِ الوزيرِ، وما على الأخير الا يركن لرأيه، وأن الوزير يعتقدُ أنَّ سلطته التنفيذيَّة أعلى من سلطة النائب، فيحاول كلُّ طرفٍ منهما الإيقاع بالطرف الآخر. وقد شهدنا في الحكومات المتعاقبة مماحكاتٍ كثيرةً بين النُّوابِ والوزراءِ، وبذلك اختلطَ الأمرُ على النَّاس، وذهبت كثيرٌ من الاستجوابات سدى من دون أن نقبض على جسد الحقيقة الغائب.
لذلك على النائب –اليوم- أن يعرفَ أنَّ عملَهُ تشريعيٌّ، ونجاحَهُ مرهونٌ بفاعليتِه في اللجانِ البرلمانيَّة، وحضورِه الفاعل في جلسات المجلس، والا يكون رقمًا صغيرا يُحققُ به النصاب ليس إلَّا. وهو ما يمكن أن يعيه الوزراء والمحافظون ونوابهم أيضا؛ فالمحافظ ليس رئيس وزراء بلد آخر، وخصمًا وندًّا قويًّا لرئيس الوزراء الاتحادي، بل عليه أن يعرف أنَّه جزءٌ من المنظومة التنفيذية التي يستعملها رئيس الوزراء لتنفيذ برنامجه الحكومي؛ لأنَّ الأخيرَ لم يكن مقتصرًا على بغداد مثلًا، فهو يشملُ المحافظاتِ كلَّها.
إضاءة:
لقد تناهى إلى سمعي أنَّ رئيسَ الوزراءِ في زيارتِه الأخيرةِ إلى كربلاءَ، قد قاطعَ مسؤولًا تنفيذيا؛ طمأنه على الوضع الأمني، بالقول:" هذا ليس من شغلك، هذا من شغلك قائد العمليات، أو قائد الشرطة".
فإذا صحَّت تلك الرواية، فالأمور تبشر بالخير، على الأقل في الجانب التنفيذي.