تخويل عبد المهدي

آراء 2018/11/30
...

د. بختيار شاويس 
 
وكان عمر هذا التخويل الممنوح لعبد المهدي أقصر مما كان متوقعا، إذ سرعان ما اتضح خلال اسبوعين أن ما أعطي من زخم لرئيس الوزراء لم يكن إلا لعبة سياسية ضخمة، حيث عادت الكتل السياسية في أول اختبار لها الى عادتها القديمة وكل واحدة منها تشترط تنفيذ مطالبها لدعم رئيس الوزراء المكلف. وقد اتضح عند أول محطة أن هذا التخويل اللافت لشخص لا يملك حتى مقعدا نيابيا واحدا ولا كتلة سياسية، لم يكن خطوة ستراتيجية بل تكتيكية، وتبين كذلك أنه لم يكن محاولة لتعزيز الموقع الوطني وتخليص البلاد من الدوامة السياسية والأزمة الاقتصادية والأوضاع المعقدة التي يعيش فيها، بقدر كونه محاولة لترسيخ موطئ قدم الحزب.
إن التخويل المشروط لرئيس الوزراء، يحمل في طياته مخلفات الصراعات السياسية الحادة في الماضي والتي قد تتكرر في المستقبل القريب بسيناريوهات جديدة، وإلا فما هي هذه السلطة التي لا يمكّن رئيس الوزراء من إكمال كابينته الوزارية بسبب وزير أو وزيرين بعد مرور أسابيع على منح الثقة لـ14 وزيرا منها، ما دفعه مضطرا الى زيارة علوة الرشيد في صباح باكر والتحاور مع الكسبة حول أسعار الفواكه والخضار بدلا من مناقشة آليات تنفيذ برنامج عمل حكومته مع وزيري الداخلية والدفاع وبقية الوزراء.
فهذا التخويل السطحي والغامض، مثير للانزعاج الى درجة دفعت رئيس الوزراء بعد فترة وجيزة الى التلويح بالاستقالة، حيث قال بوضوح: آخر أسلحتنا هي الاستقالة.
والسؤال المهم هنا هو هل يكون سلاح الاستقالة فعالا؟ وما هو مصدر هذا الضغط القوي الذي دفع بالسيد عبد المهدي للتفكير في خيار الاستقالة مجددا خلال فترة هي أقصر بكثير من فترة بقائه في منصب نائب رئيس الجمهورية أو وزير النفط؟ سؤال لا يسعنا في الرد عليه إلا أن نقول: الله أعلم.
مع هذا، فإن التحقيق في ملفات بعض الوزراء من قبل هيئة المساءلة والعدالة، قد يؤدي الى فشل الكابينة الوزارية في حال تم سحب الثقة من 3 وزراء، وكما أشار اليه عبد المهدي نفسه، فإن ذلك يتسبب في تلطيخ سمعته السياسية وتاريخ أسرته، وهو ما لا يمكن القبول به، كما ان الجهود منصبة باتجاه عرض أسماء 6 من الوزراء المتبقين على الاقل، أمام مجلس النواب خلال جلسات الاسبوع الحالي، لكن عدم توصل الكتل الى اتفاق واستفحال الخلافات بهذه الصورة، لا يشكل خطرا على مرشح المرجعية العليا والاقطاب الداخلية والخارجية فحسب، وإنما في حالة اخفاقه وبالتالي استقالته، فهذا يهدد مجمل العملية السياسية برمتها، حيث يحتاج الى المزيد من الجهد والوقت لايجاد شخصية أخرى يجمع عليها كل الاطراف، وبالنتيجة بدلا من الاعمار والاستثمار وتقديم الخدمات وتوفير المياه الصالحة للشرب والكهرباء وفرص العمل للشباب، سوف ننهمك مجددا بحسم الجدل البيزنطي (أي طرف هو صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر؟!).