«فلسطينيو الخارج» يعقدون اجتماعا طارئا لمواجهة صفقة القرن

الرياضة 2020/02/02
...

إسطنبول / فراس سعدون ترجمة: أنيس الصفار  
 
عقدت الأمانة العامة في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج اجتماعا طارئا، مساء الجمعة في اسطنبول، لمواجهة صفقة القرن، وتجديد الرفض لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطة سلام إسرائيلي – فلسطيني مزعوم، واعتبارها خطة منحازة لإسرائيل، بينما شن الكاتب والصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك هجوماً عنيفاً على صفقة ترامب واصفاً إياها بـ “السخيفة والمبتذلة”.  تحدثت في المؤتمر الفلسطيني بإسطنبول عدة شخصيات، حيث أكد نائب الأمين العام هشام أبو محفوظ، ان “الأمانة العامة للمؤتمر قررت تحشيد القوى والإمكانات لإحباط مشروع الصفقة، مع الإشارة إلى أهمية التحركات الشعبية والسياسية والقانونية للفلسطينيين في الخارج، ضمن إطار التصدي للصفقة”.
بينما أفاد أنيس قاسم، رئيس الانعقاد الأول للمؤتمر الشعبي والخبير في القانون الدولي، بأن هناك “مأزقا كبيراً نمر فيه، لأن جميع بنود الصفقة تتصادم مع القانون الدولي مصادمة كبيرة، فأصبحت الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست محتلة، وهذا يبيح لترامب أن يعطي رخصة لنهب الأراضي المحتلة، ومصادرة الأملاك الخاصة والعامة، وأجاز إقامة المستوطنات، واكتساب الأراضي بالقوة، وفي ذلك قلب لكل معادلات القانون الدولي الحديث”.
 
التحذير من حلف دفاعي
وذكر معين الطاهر، عضو الأمانة العامة للمؤتمر والسياسي الفلسطيني، أن “صفقة القرن ليست أكثر من عقد إذعان لم يجد فلسطينيا واحدا يوقع عليه، وأن الدويلة المزعومة (دولة فلسطين المذكورة في الصفقة) ليست أكثر من كانتونات منعزلة يمارس عليها أبشع أنواع (الأبرتايد -نظام الفصل العنصري) والتمييز”.
ووجد الطاهر، أن “هدف الصفقة إبرام حلف دفاعي وعسكري، وتطبيع رسمي عربي”، مقترحا لإسقاطها “توحيد موقف فلسطيني عبر انتفاضة عامة، وإعادة بناء مشروع وطني فلسطيني في الداخل والخارج يحظى بدعم الشعوب العربية وأحرار العالم”.
وحدّد ماجد الزير، رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا، 3 مهمات لرفض الصفقة، وهي “العمل على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ليكون بقيادة واحدة، وتفعيل دور فلسطينيي الخارج لمقاومة الصفقة، ودعم صمود الشعب في الداخل”.
 
مطالبات من أميركا اللاتينية
وشدد سمعان خوري، رئيس الاتحاد الفلسطيني في أميركا اللاتينية وجزر الكاريبي، على تحقيق هذه المطالبات “طي صفحة اتفاقات أوسلو والتحرر من التزاماتها، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، ووقف الرهان على المفاوضات، والتشبث بالحق الفلسطيني في المقاومة والاستقلال والعودة، ووقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، ووقف التنسيق مع المخابرات الأميركية بدعوى مكافحة الإرهاب، في وقت ما زالت فيه الإدارة الأميركية تصف منظمة التحرير بالإرهاب، والانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، والتحرر من بروتوكول باريس، وطلب العضوية العامة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والدعوة لمؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية بقرارات ملزمة تكفل لشعبنا الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وقيام دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين وتمكينهم من العودة إلى الديار التي هجروا منها عام 
1948”.
 
دعوة لحل السلطة الفلسطينية
ودعا أحمد مشعل، رئيس لجنة العلاقات الوطنية في المؤتمر، إلى “عقد مؤتمر وطني جامع، لإعلان حل السلطة الفلسطينية والتحلل من اتفاقاتها”، كما دعا إلى “مسيرات عودة على خطوط التماس، وانتفاضة شاملة تقودها جبهة وطنية، ووقفات أمام السفارات الأميركية للاحتجاج على موقف ترامب غير
 المسؤول”.
وأيّد رئيس الانعقاد الأول للمؤتمر هذا الطرح وهو يحمّل الإدارة الفلسطينية مسؤولية تاريخية عن توقيع صفقة القرن، مرجحا، قبل الانهماك في التظاهرات (التي يدعو المؤتمر لتنظيمها في مختلف الدول احتجاجا على صفقة القرن)، أن “نعيد النظر في القيادة الفلسطينية التي أوصلتنا إلى هذا المأزق، والعمل على كنس طبقة (اتفاق) أوسلو، وإعادة انتخاب مجلس وطني جديد، لفرز قيادة وطنية جديدة تقود منظمة التحرير، وتتولى التصدي لصفقة القرن”.
 
قضية اللاجئين وحق العودة
وتحدث علي هويدي، رئيس لجنة اللاجئين في المؤتمر الشعبي، عن القسم رقم 16 في صفقة القرن المتعلق بقضية اللاجئين وحق العودة ووكالة الأونروا. وقال هويدي أن هذا القسم “يشطب حق أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات الوكالة في مناطق عملياتها الخمس، وينهي حق أكثر من نصف مليون فلسطيني مهجر داخل فلسطين المحتلة عام 48، ويشطب الوكالة، ويضع اللاجئ الفلسطيني أمام 3 خيارات: العودة إلى أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وفق ترتيبات أمنية، أو القبول بالتوطين في دول اللجوء، أو أن يكون واحدا من 5 آلاف لاجئ فلسطيني يمكن أن يتم توطينه سنويا في إحدى دول منظمة التعاون الإسلامي”.
وأكد أن “حق اللاجئ الفلسطيني بالعودة هو حق فردي وجماعي لا يسقط بتقادم الزمن، وغير قابل للتصرف، ولا يحق لترامب أو أي صفقة التفاوض بالنيابة عن اللاجئ الفلسطيني”.
 
ما بعد الاجتماع الطارئ
وقال زياد العالول، المتحدث باسم المؤتمر، في حديث لـ “الصباح”: إن “قيادات العمل الفلسطيني في المؤتمر تستهدف (قرابة) 7 ملايين فلسطيني في الخارج، ولذلك اجتمعنا لنؤكد حقنا في العودة، والتحرير، وصمود شعبنا في الداخل”.
وبيّن العالول في رد على سؤال عن خطوات المؤتمر على الأرض بعد اجتماعه الطارئ، إن “قيادات المؤتمر ستعمل على تسيير تظاهرات في جميع دول العالم، واعتصامات أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية، وتوجيه رسائل إلى البرلمانات الغربية، لنشكل ضغطا على الاتحاد الأوروبي والدول الغربية، حتى لا تتماشى مع صفقة القرن التي تتعدى المواثيق الدولية، وتغلّب قانون الغاب”.
 
مقالة لاذعة
إلى ذلك، نشر الكاتب الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك مقالة بشأن صفقة القرن في صحيفة “الاندبندنت»، قال فيها:  
عندما خرج المحتالان السياسيان العريقان على مسرح البيت الأبيض في الاسبوع الماضي بأشد الكوميديات التراجيدية المضحكة بلبلة في تاريخ الشرق الأوسط كان من العسير على المرء أن يستوعب حقيقة مشاعره .. أيضحك؟ أم يبكي؟
بحسب رأي الكاتب، فإن خطة «السلام” التي عرضها البيت الأبيض، والمؤلفة من 80 صفحة، أوردت كلمة “رؤية” 56 مرة في الصفحات الـ60 الأولى منها ،أجل، وقد كتبت كلمة “رؤية” بالأحرف الكبيرة في كل مرة وردت فيها، ربما للإيحاء، كما أعتقد، بأن “صفقة القرن” كانت من إلهام وحي غيبي خارق، بيد أنها لم تكن كذلك في الواقع، ولو أن اليد التي حررتها ربما كانت يد أحد الجهابذة الاسرائيليين الخوارق.
هذه الصفقة قالت «وداعاً» لقضية اللاجئين الفلسطينيين، لأشهر «حق بالعودة» والأشد خزياً، وكذلك لجميع الذين يعانون الامرين الان في مخيمات الشرق الأوسط. وداع أبدي أيضاً لمدينة القدس القديمة كعاصمة فلسطينية، ومثله لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الاونروا). في الوقت نفسه ترحب الصفقة بالاحتلال الاسرائيلي الدائم للضفة الغربية وبالضم الكامل لجميع المستوطنات اليهودية تقريباً التي بنيت هناك خلافاً لجميع القوانين الدولية.
من الحتمي والمعلوم، وهو ما نراه منذ أيام، أن هذا الهراء سوف يرش شيئاً من الغبار المسحور على معاناة الزعماء في أميركا واسرائيل للتخفيف منها. فبينما المخادعان «دونالد ترامب» وبنيامين نتانياهو يقابلان تصفيق المؤيدين في واشنطن بالابتسامات العريضة، كان الأول واقعاً تحت طائلة العزل من منصبه والثاني ينوء بتهم بالفساد. لقد بدا واضحاً منذ الوهلة الأولى أن هذه الوثيقة المفعمة بالزيف والاكاذيب، والمكونة من مقادير متساوية من السخف والتفاهة والابتذال المحزن، قد قضت الى الابد على أي أمل لقيام دولة فلسطينية مستقلة بأي شكل أو صورة. هذا ليس ما تجاهر به طبعاً، ولكن ما عليك كي تفهم سوى القاء نظرة خاطفة على الحشو الكلامي المنمق (عندما يوصف الاحتلال الاسرائيلي، وهو اطول احتلال في التاريخ الحديث، بأنه «بصمة الأمان» بينما ينبذ اتفاق أوسلو باعتباره اتفاقية لم تجلب سوى موجات من العنف والارهاب).
بصدق أقول إن على الجميع قراءة الصفحات الثمانين تلك، وأن كل قارئ يجب أن يعيد القراءة مرتين لئلا يكون قد فاته اثناء القراءة الاولى شيء من الاهانات الصارخة التي وجهت الى الفلسطينيين.
هذه الوثيقة ليست هدية لاسرائيل وحسب، بل انها تجسيد لكل ما اشتهته اسرائيل وطلبته من واشنطن (مع الزيادات والتكريم)، لأنها من حيث الواقع الفعلي قد قوضت كل مسعى قام به مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكل قرار للأمم المتحدة نفسها بخصوص الانسحاب الاسرائيلي وكل محاولة من جانب الاتحاد الأوروبي والمجموعة الرباعية في الشرق الأوسط للخروج بما يمكن أن يكون قراراً منصفاً يضع نهاية للحرب الفلسطينية الاسرائيلية.
باختصار أن اسرائيل، بموجب هذه الصفقة المشؤومة، سوف تستولي على القدس الى الأبد ومعها معظم اجزاء الضفة الغربية، كما ستستملك جميع المستوطنات اليهودية تقريباً الواقعة في الارض المحتلة، وتفرض هيمنتها على الشعب الفلسطيني الأعزل الممزق مهيض الجناح، الذي سيترتب عليه من بعد ذلك أن يدعو اسرائيل بعبارة «دولة الشعب اليهودي» (رغم أن العرب يشكلون نسبة 21 بالمئة من تعداد السكان). اسرائيل سوف تراقب مناهجهم المدرسية وتعتقل وتستجوب كل من يتجرأ على معارضة المحتل الاسرائيلي، أما الفلسطينيون فسوف يعطون حفنة من القرى خارج اسوار القدس ليجعلوها عاصمة لهم.
إنها الحقيقة، فهذه الوثيقة التي أبدعتها عصبة ترامب (لاسيما زوج ابنته «جاريد كوشنر») تاريخية وفريدة من حيث تصورها أن الفلسطينيين لم يعد أمامهم سوى الرضا بمثل هذه المجموعة من المطالب السياسية الهزلية المختلة التي لا يدانيها شيء في العالم الغربي. بيد أني تساءلت مع نفسي وأنا أقرأ «الرؤى» الـ56 وقائمة المحظورات التي سيلزم بها الفلسطينيون: متى ينبغي علينا نحن الصحفيين ان نضع الأمور في نصابها؟ يجب أن نلاحظ ايضاً أن من بين التوجيهات التي ستفرضها الصفقة «عدم انضمام الدولة الفلسطينية الى اي منظمات دولية إذا ما تعارضت العضوية فيها مع التزامات الدولة الفلسطينية بعدم التسلح ووضع نهاية للحرب السياسية والقضائية ضد دولة اسرائيل. وداعاً اذاً لحماية محكمة الجنايات الدولية أيضاً.
كان من بين زملائي مروان بشارة الذي كاد  يصاب بالسكتة الدماغية فراح يصف الصفقة بأنها مهزلة ودجل .. وأنها مثيرة لأقصى درجات الغضب .. سريالية وانتهازية وشعبوية وساخرة، قال كل تلك الاوصاف وهو يراعي الانضباط في ألفاظه. كان هناك ايضاً زميل من صحيفة هآرتز الاسرائيلية اسمه «جيديون ليفي». هذا الرجل لم يكن على وشك الاصابة بالسكتة الدماغية، بل متشائم يترقب كارثة. كتب يقول إن هذا هو المسمار الأخير في نعش الجثة المتحركة التي تسمى «حل الدولتين». صوّر واقعاً ليس للقانون الدولي فيه ولا لقرارات المجتمع الدولي، أو المؤسسات الدولية خصوصاً، أي معنى أو قيمة.
يقول ليفي ليس للدولة الفلسطينية وجود، ولن يكون. ما ينبغي أن يكون هو دولة ديمقراطية واحدة موقعها بين الاردن والبحر المتوسط يملك الاسرائيليون والفلسطينيون فيها حقوقاً متساوية. عدا ذلك لن تكون اسرائيل سوى دولة تمارس نظام الفصل العنصري. لقد صنع ترامب عالماً لصهر الرئيس الأميركي فيه نفوذ يطغى على نفوذ الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإذا كانت المستوطنات مسموحاً بها، فكل شيء اذاً مسموح. وهذه هي عين الحقيقة.
اتساءل، هل لا نزال نحن الكتاب والصحفيين و»الخبراء» والمحللين نمتلك الادوات الصحيحة للتعامل مع كل هذه الطلاسم؟ ألم تحن اللحظة، ونحن نرى بأعيننا نهاية الاخلاق والعدالة والنزاهة والكرامة، لطرح السؤال الملح الذي يزداد أهمية: متى سيكف الصحفيون عن أخذ كل ما يلقى اليهم مأخذ الجد؟ إن مجرد الكتابة عن هذه الاستعراضات الدعائية المبهرجة التي يقدمها ترامب لنا كما لو كانت شيئاً حقيقياً قابلا للتطبيق، أو حتى صالحاً للمناقشة، فيه اذلال ومهانة ومنافاة للعقل. وأنا لا أقصد الإعلاميين وحدهم بل ايضاً اولئك الذين سيتحملون العواقب والتبعات جراء هذه الوثيقة الشنيعة، انهم الفلسطينيون وكل من دعم وساند مطالبهم التي لا ينكرها عاقل في الحرية والعدالة.
بعد ساعات قليلة من قراءتي للوثيقة أدركت أن هذه الصفحات الثمانين التي أطلت علينا من البيت الابيض سوف تعزز كل تلك المعتقدات التي يؤمن بها أي مسلم معاد لاسرائيل مؤمن بخطابات التعصب التي تتمادى في الحديث عن «المؤامرة الصهيونية» وكل ما يستفز العقل ويستثير الجنون. في مثل هذه الاحوال ربما سينبغي علينا دعوة الكوميديين كي نجعل منهم مراسلين لوكالات الانباء. أو أن نطلب من رسامي الكاريكاتير تولي كتابة هذه التقارير، أو قد يكون الاجدى كتابتها بأسلوب «صدق أو لا تصدق». سنقول: صدق أو لا تصدق أن الرئيس الأميركي أعطى طرفاً أجنبياً حق احتلال ارض طرف آخر احتلالاً أبدياً. بهذه الجملة سنلخص القصة كلها في 15 
كلمة.
دعنا لا ننس أيضاً أن الفلسطينيين سوف يتلقون مقابل استسلامهم المهين مالاً .. نقدا كثيرا .. ملايين الدولارات الخضراء مترجمة الى رسوم بيانية وخطط ممولة وسياحة واستثمارات ضخمة (معبراً عنها بمصطلحات منمقة وعبارات ملمعة فضفاضة عن التطور الاجتماعي وتقرير المصير والسير على طريق الحياة الكريمة والاحترام والأمن والفرص الاقتصادية .. الخ). 
ألم يقل صاحبنا «بوريس جونسون» لترامب «أنها خطوة إيجابية إلى أمام»؟ ألم يصفها «دومينيك راب» بأنها مقترح جاد «يجدر بنا تأمله بنظرة منصفة حقيقية»؟
الأمر حقاً: «صدق أو لا تصدق.»