الوردي والزعيم

الصفحة الاخيرة 2018/12/01
...

محمد غازي الاخرس
عظيم هو الخبر الذي قفز أمامي الآن من عصر آخر، عظيم ويعكس مزاجاً مختلفاً، مزاج يمكن ان يكون شعبياً بامتياز، عصر يكتب به الوردي، كاتب الشعب، ليقرأ عبد الكريم قاسم، زعيم الشعب. حسناً، الخبر مقتطع من صحيفة صادرة عام 1960  وكانت الاجواء يومها ملتهبة بصدور كتاب جديد للوردي هو “الأحلام بين العلم والعقيدة”. في الصحيفة نفسها وغيرها ثمة إعلانات متكررة حول الكتاب وهذا يعني أن الوردي مقروء على نطاق جد واسع. نعم، الأمر كذلك، فصاحبنا بسيط البساطة كلها، لا يلتزم بمنهجية صارمة وليس لديه قاموس مفاهيمي لا يقبل الجدل. كل شيء عنده عرضة للتشكيك حتى أفكاره نفسها. لهذا فانه مثّل ظاهرة لم تتكرر بعده حين بات مثالاً للعالم المقروء من الجميع، المفهوم من كلّ العقول، وهذا جعلهم يسمونه بـ”كاتب كهاوي” و”متحدث دواوين” وليس عالماً أكاديمياً. قالوا ذلك في الخمسينيات حين صدمهم، وفي الستينيات وصولاً إلى أيامنا. مع هذا، ما كان لأحد نكران أنه يكتب ليقرأ شعبياً وليس نخبوياً. الآن ما هو الخبر الذي أثارني؟ الخبر معنون هكذا: “الزعيم الكريم يثمّن مؤلفات الدكتور علي الوردي ويطلب منه المثابرة على التأليف والكتابة”. خبر في الصفحة الأدبية. عبد الكريم قاسم، الضابط الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه بعيد عن أجواء المثقفين، يقرأ، ولمن! يقرأ لعلي الوردي ويثمّن مؤلفاته بل يطلب من سكرتيره لشؤون الصحافة الرائد سعيد الدوري أن يبعث رسالة تثمين له، وإليكم نصها كما نشرتها صحيفة “الثورة” لقاسم الطائي آنذاك: “الأخ الدكتور علي حسين الوردي - بغداد، تحية عاطرة لأستاذي العزيز، تلقى سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء ببالغ الغبطة والسرور هديتكم مجموعة من مؤلفاتكم النفيسة الرائعة. وفي الوقت الذي يشكر لكم فيه سيادته شعوركم النبيل ويقدر عواطفكم الكريمة التي تفيض وطنية وإخلاصاً، فإنه يتمنى من أعماق قلبه أن تزيدوا في جهودكم الأدبية لبناء صرح كياننا الجمهوري الخالد وما يتطلبه من تجديد في العادات والتقاليد التي يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع الحرية وانطلاق التفكير”. ثم تنتهي الرسالة بـ “أرسل لكم نسخة من تصوير سيادة زعيمنا البطل الغالي مذيلة بتوقيعه عربوناً لمجهودكم الفكري وتفضّل بقبول فائق
 الاحترام”. 
الآن، هل هذا ما عنيته بأن الخبر يشي بمزاج شعبي سائد؟ نعم، هذا ما عنيته بالضبط. كاتب شعبي يقرأه الجميع بما في ذلك ضابط يصعب تخّيل أن يقتطع من يومه المليء بالخصومات والمناكدات والمؤامرات وقتاً لقراءة كتب اجتماعية. جرى ذلك يومئذ بدليل أن جريدة تخبرنا به عبر خبر ذي دلالة
 فتأمل!