النساء يقدنّ دوريات شرطة النجدة

ريبورتاج 2018/12/01
...

بغداد/ قاسم الحلفي - تصوير/ نهاد العزاوي
ما ان مرت دورية النجدة بلونها الاخضر في الشارع المؤدي الى ثانوية الحريري للبنات في منطقة الاعظمية واطلقت صافرتها حتى أسرع الشباب المتحرشون للاختباء لحين مرورها، الا ان ذهولهم وصدمتهم كانت كبيرة عندما نزلت منها منتسبتان ترتديان زي شرطة النجدة بكامل قيافتهما وتجهيزاتهما واوقفتا المتحرشين وألقيتا القبض عليهم وقامتا بتسليمهم الى الجهات المختصة حتى اختفى تواجدهم اليومي قرب الاعدادية، وعندها عرفوا وعرف المجتمع ان هناك نساء مدربات على اعلى المستويات ويمتلكن من القوة وحسن التصرف ما يكفي ليسيرن دوريات النجدة النسائية في الشوارع لأول مرة في العراق.نجدة المرأة
غالبا ما تكون المرأة طرفا في الكثير من الحوادث كتعرض بعض الطالبات والنساء الى التحرش او حالات الولادة والاصابات، لذلك أقدمت مديرية شرطة النجدة على اشراك منتسبات في دوريات النجدة، هكذا وصف صاحب الفكرة والتنفيذ مدير شرطة النجدة العميد محمد خالد الربيعي عملهن بقوله لـ {الصباح} : بوشر منذ ثلاثة اشهر بتسيير ومرابطة ثلاث دوريات تشارك بها ضابطات ومنتسبات من المديرية قرب المدارس الثانوية للبنات لردع من يحاول التحرش بالطالبات وتلبية طلبات النساء في الشوارع العامة ممن يحتجن الى النجدة، وهي خطوة اولى ستلحقها خطوات اخرى لتوسيع هذه التجربة الناجحة.
 
النقيب الحقوقي سهاد كريم 
تخرجت من كلية القانون وعملت محامية ونجحت في عملها الا انها اعجبت بعمل الضابط المحقق ونمت الفكرة في داخلها وقررت العمل في سلك الشرطة فتطوعت في المعهد العالي وتخرجت برتبة ملازم عام 2009 وباشرت العمل في وكالة الاستخبارات ثم الشؤون الداخلية وقيادة شرطة بغداد ثم التحقت بمديرية شرطة النجدة، وكانت تبحث عن فرصة لتحقيق طموحها في بيان قدرة المرأة العراقية على اثبات كفاءتها وموهبتها في العمل على غرار ما ينجزه اخيها الرجل، وعندما طرح مدير شرطة النجدة فكرة نزول المنتسبات الى الشارع في دوريات الشرطة كانت اول الملتحقين بها ورغم انها ام لطفل وتنتظر قدوم طفل اخر الا انها تلقت تشجيعا كبيرا من عائلتها في خوض تلك التجربة.
 
مكافحة الارهاب والجريمة
الحوادث الكثيرة التي مرت على النقيب سهاد وابرزها استغلال الارهابيين للعنصر النسوي بلبس البوشية للتخفي، او تمرير الاسلحة او المتفجرات عبر النساء بسبب عادات وتقاليد المجتمع العراقي المحافظ الذي لا يسمح للرجل بتفتيش المرأة او رؤية وجه المحجبة «المبوشة»، وكذلك حوادث التحرش بالنساء او سرقة حقائبهن او التعرض لهن، دفعها الى النزول الى الشارع وردع المخالفين وكشف المتخفين او حمل المرأة الى سيارات النجدة او الاسعاف عند حصول حالات مرضية او حالات الطلق في الولادة او الحوادث المرورية والجنائية والارهابية من قبل عنصر امن 
نسوي.
سهاد اكدت ان عملها لمدة من الزمن في سيطرة النجدة (104) عرفها على الكثير من مشاكل النساء اللواتي يتحرجن من الدخول في تفاصيل نسائية خصوصية، وما ان يعلمن ان الراد على الاتصال هي سيدة مثلهن حتى يشرحن تفاصيل تساعد على سرعة نجدتهن وتخليصهن من مشاكل كثيرة، ومنها تيقنت ان العمل في الشارع يعطي منافع اكبر من الجلوس في المديرية خلف المكاتب.
حب الناس المشجع الاول
وفي اول يوم نزلت الى الشارع اثناء عيد الفطر الماضي كانت سهاد مترددة لان الانظار تتجه اليها ولكن تشجيع الناس لها وابتهاج المارة من النساء والرجال خاصة،  وطلب الكثير منها التقاط الصور اعطاها وزميلاتها دافعا كبيرا وانهى حالة الحياء او التخوف او الخشية، كما وجدت في فرحة الطالبات والمدرسات خلال المرابطة قرب المدارس دافعا كبيرا لتقديم الافضل، مبينة ان الدوريات بدأت بتقديم الخدمات في مختلف الاماكن حيث تستوقف النساء والرجال دورياتنا وتطلب النجدة ونقدمها لهم.
وعن المواقف الغريبة التي مرت بها تشير الى العبارات والجمل المحببة للنفس التي يطلقها المواطنون عند رؤيتنا في الشارع وكذلك سؤال الكثير من النساء او الرجال عن كيفية التطوع في هذا الصنف لرغبتهن في زج بناتهن للتطوع والعمل في الشارع واثبتت انها تجربة ناجحة بامتياز.
 
رئيس عرفاء اطياف عبد الواحد
تطوعت الى سلك الشرطة في العام 2008 للحصول على مصدر معيشي ومن خلال الدوام وجدت ان هذا السلك فيه فسحة للمرأة لإثبات قدرتها مع اخيها الرجل، وتسرد حكايتها بالقول :»في بداية الامر كان الامر صعبا ان تعمل امرأة في جهاز امني ولكن عملي الاول كمفتشة في احدى محاكم القضاء الاعلى سهل علي الامر وجعلني اشعر بأهمية دوري، ثم تحولت الى مديرية شرطة النجدة وعملت فيها في الامور الادارية، لحين ما عرض السيد مدير شرطة النجدة الفكرة في نزول النساء مع الرجال الى الدوريات الثابتة والمسيرة في الشارع، فأعجبتني الفكرة وتحمست لها لأنه عمل حضاري يمارس في مختلف دول العالم، وتحتاج النساء الى نظيراتهن في كثير من الخصوصيات».
 
محاسبة المتحرشين
واكدت اطياف ان عملها في الشارع منذ ثلاثة اشهر في دوريات النجدة المرابطة قرب مدارس الاعداديات للبنات دعمه ترحيب كبير من ادارات المدارس والطالبات وتشجيع منقطع النظير لمنع حالات التحرش او الاعتداء، واسعدها انخفاض حالات التحرش بالطالبات الى ادنى مستوى بعد القاء القبض على عدد من الشباب المتحرشين وتسليمهم الى دوريات اخرى مختصة تقتادهم الى مراكز الشرطة لاتخاذ الاجراءات المناسبة بحقهم، مشددة على ان الشباب اصبحوا ينسحبون بسرعة من اماكن تواجدهم قرب مدارس البنات بمجرد مشاهدة دورية النجدة التي نستقلها.
أطياف لا تخفي شعورها بالفخر لعملها في تماس مباشر مع البنات الصغيرات وحمايتهن وتقديم العون لهن ولعدد كبير من المسنات والمسنين كذلك، مشيرة الى ان الكثير من كبار السن من الرجال يسمعوننا عبارات المدح والثناء والتشجيع وهو يعطينا حافزا كبيرا لتقديم الافضل في هذه التجربة الناجحة.
وعن المواقف الطريفة التي مرت بها اوضحت انها اوقفت احد الشباب وسالته عن سبب وقوفه فأجاب ( اني زاحف) فلم تستطع اخفاء ضحكتها من رده وخيرته بين اكمال الزحف واتخاذ الاجراءات القانونية بحقه او الانسحاب، فأجاب بعبارة اغرب من الاول قائلا ( لا عمي لخاطر هاي العيون الحلوة اروح 
لبيتنه).
 
نائب العريف صابرين سعد طه 
استشهد شقيقها المنتسب في الشرطة خلال مواجهته للإرهاب في الخالص  بمحافظة ديالى، فرغبت بإصرار اكمال مسيرة اخيها الشهيد فتطوعت على سلك الشرطة في مديرية شرطة النجدة عام 2014 كونها من ذوي الشهداء لإثبات ان المرأة لا تختلف عن الرجل في الدفاع عن الوطن، فدخلت دورة تدريبية في المعهد النسوي لمدة شهرين وتخطت صعوبات التدريب البدني والمصطلحات العسكرية، وتأقلمت بسرعة وتخرجت شرطية يمكنها استخدام انواع الاسلحة، وتقول صابرين إنها بدأت في الادارة ثم مفتشة في استعلامات المديرية وبعدها سارعت الى الانضمام الى دوريات النجدة لأنها تعرضت اكثر من مرة لتحرشات من الشباب وتعرف ماذا تشعر المرأة حينها وكيف تبحث عن منقذ من هذه المواقف، وتضيف ان كل الاماكن والمشاكل تكون المرأة طرفا فيها لذلك عملنا في الشارع هو اعانة لنصف المجتمع بخصوصيته النسوية، مبينة ان من المواقف الطريفة التي مررن بها هي اداء الكثير من الشباب او سائقي المركبات او حتى بعض كبار السن التحية العسكرية لهن، وهو امر مضحك لكنه يدخل السرور الى قلوبهن. 
 
الملاكات التدريسية ترحب
مديرة ثانوية الخلود في حي العدل ايمان داود عليوي التي ترابط قرب مدرستها دورية نجدة نسائية اكدت انها تجربة حققت ثمارها عندما ادخلت الطمأنينة والفرح الى قلوب الطالبات وذويهن والملاكات التدريسية بعد ان تمكنت من ردع المتحرشين وابعاد المخالفين ما دفع الكثير من العائلات الى السماح لبناتهن بالذهاب والعودة بمفردهن لوجود من يحميهن، مبينة انها تجربة أكدت ان المرأة لها قدرة تساوي قدرة الرجل.
 
البنات والتحرش
حنان وزينب ورشا فتيات استوقفناهن في الشارع وهن ينظرن باستغراب الى دورية النجدة النسائية تجوب المناطق وسألناهن عن رأيهن في هذه التجربة فاجمعن على انها ضرورية جدا كونهن غالبا ما يتعرضن الى التحرش في طريق المدرسة او عند الذهاب الى الاسواق او المتنزهات، مؤكدات ان كثيرا من الشباب اصبحوا يتمادون بالتحرش من خلال لمس البنت او اسماعها كلمات بذيئة، ووجود قوة امنية نسوية ستصبح رادعا مهما 
وقويا.