إنضاج السرد.. اختمار الرؤى

ثقافة 2020/02/07
...

اسماعيل ابراهيم عبد
 
لحركة الروي طاقة حيوية هادئة السير نحو اغراضها القيمية ، ومن بينها تجارب سيرها وجود فراغ بين الفعل الجزئي والفعل الشمولي مفترض , سيملأ بفعل. لنفترض أن هناك عدداً من الأفعال المنمِّية للنص تقع بين أطراف الحادثة ، وسيفتح الفعل الأول مجالاً للطرف الأخير للفعل ان يتم زمان ومكان الحادثة , التي ستؤلف صيغة البناء التعبيري والمادي للعمل المُخْتَمِر سردياً .. ان فكرة الاختمار السردي تستند أصلاً الى فكرة المخزون المستعاد من راسب افعال الفرد والجماعة . وعمليا سيكون فعل البدء  مستحضراً بطريقة غير واعية , يصير فعلاً لوعي مدرك بعد ان يختلط وينعجن برقائق الأفعال الأُخرى المستحضرة بقصد , ثم تبدأ القصة بتكييف عجينتها للظهور والفهم على أساس وحدة عمل القاص والناقد , كونهما يؤلفان خارطة واحدة للقراءة والنص . لنتصور كيفية عجن الحدث القصصي . لنتصور وجود عدة اطراف لحادثة القص : 
ـ يتمثل الطرف الاول / الحدث الرئيسي الاول / بالأفعال الخمسة الآتية : ((الفعل الافتتاحي , وبه تتحقق وظيفتي الجذب أو الطرد)) ؛ ((الفعل المساعد , وهو الفعل الأكثر عمقاً من فعل الافتتاح , وله وظيفتان هما تهيئة العرض القصصي للأحداث, ذر بذرة أولية للأفعال الصانعة للحدث الاساسي)) ؛ ((الفعل الساند , أو الفعل الحدثي قبل الأساسي الأكثر أثراً من الفعل المساعد ، به يبدأ الحدث بالتبلور والشد الدرامي لما قبل الحدث الأهم الأعم , وهو من يكوّن الفاعل الذي أعلن عن نفسه)) ؛ ((فعل البؤرة , هو الفعل الأعمق والأقرب الى هدف القص . فيه تتضح بطولة البطل المنحاز لوجهة نظر المؤلف)) ؛ ((الفعل الأساس ويمثل فعل الحدث الرئيس الذي لديه أوسع مساحة للعرض والتحليل والتعطيل وتوزيع الأفعال والفاعلين , وان مظهره يحدد مظهر ووظيفة ورتبة البطل والراوي معاً)).  
الطرف الثاني/ يتمثل بفواعل الحدث الرئيس / يستمد قوته من فعل البؤرة , الذي يخاتل البطل الأهم والحدث الأساس للمواربة على دورهما الوظيفي , يتفرع الى / ((الفعل القريب , وهو لا يحسم وقوع الحدث , لكنه يجلبه نحو الغرض القيمي لمقول الراوي او البطل)) . ((الفعل البعيد , وهو  يبتعد عن دائرة الظهور قليلاً ليفسح مجالاً لوضوح رتبة الفواعل الهامشيين)) . ((الفعل المهم الأخير , عليه تعتمد فواعل القصة في اداء وظيفة انفتاح الحدث على احداث قادمة  أو غلق  الاحداث القائمة)) . 
((الفعل شبه المهمل الذي يكتفي بالاحتفاظ ببقايا الأفعال التي سيكون لها دور جديد في البؤرة اللاحقة)) , ((الفعل العاطل , هذا الذي يمثل فضلة زوائد الافعال النحوية محدودة الأهمية, وكثيراً ما يمتثل لأفعال الربط التقليدية كفعل كان , والافعال المتشككة مثل افعال الترهات اللغوية وافعال الثرثرة وافعال الهذيان غير الفني)) . 
الطرف الثالث / يتمثل بالقراءة / يتشكل من / 
 صانعو التأويل  ((وهم ينتمون ـ بتقديرنا ـ الى خمسة فصائل : 
((المتباهون , وعددهم كبير جدا , ينحصر دورهم بالترويج , ولا يمكن الاستغناء عنهم كونهم عصب سوق البيع للقصص عموما / ثم / فاعلو القراءة الفردية , وهم من اضراب  قرّاء المتعة ويمثلون سوق الترويج للأعمال متوسطة الجودة./ ثم/ القرّاء الجادّون في المقاهي , وهم قليلون , تقتصر وظيفتهم التسويقية على طبيعتهم النفسية والعقلية والثقافية والاقتصادية , وبنظرنا هم الفئة الوحيدة التي لها حق الحكم على أهمية المنتج القصصي . / ثم / القرّاء النخبة , انهم نادرون جدا , منهم بعض اساتذة الجامعات ومتخصصو القراءة , الادباء الاداريّون / ثم/ النقاد المميزون , والمحكمون في الجوائز)) .  
رسالة الكاتب : ((هي جزء اساس من تكوين فعل القراءة والكتابة , هي جزء من قيمة العلاقة بين الكاتب والقُرّاء , هي وجه المعنى اللغوي الثيمي للنوع القصصي)). 
ـ رتبة البطل الثانوي ((هي مكمل للصفات السابقة للفاعلين الأبطال في الحدث الاول والأحداث اللاحقة , بها نتعرف على طبيعة ولغة ومحور افعال البطل عبر ما يمنحه الكاتب من مكانه تخص نائب الروي 
وما له من انجاز , وخدمة لبؤر الأفعال الحدثية .
ـ البطل الأهم : له وظيفة اساسية هي 
القيام بالفعل الأهم للأحداث وتوجيه الفاعلين الآخرين , كأنما هو المُعَوَض عن 
المؤلف والراوي)) . 
ـ البطل المتعاظم : هو بطل يجمع بين القيام بالأفعال والادعاء بإنجازها , بمعنى ان وظيفته تكريمية او تهكمية أحياناً.
ـ مدون الروي : هو سيد العمل , له وظيفة الكتابة والتحدث والسماع والابقاء والحذف والتغيير والاظهار والاخفاء , دون ان ينس قيمة الفكرة وطرافتها وقيمة لغة التشويق واثرها في النجاح والاخفاق. 
ومن تكرار هذه المنظومة نفهم كيفية الاتمام القصصي لبقية اجزاء القصة التي تتعدد بؤرها وحكايتها .
* نعتقد ان السرد ينضج عبر تضافر الطرفين الاول والثاني كونهما بنائين فنيين يخصان الأفعال والفواعل وبتكرار منظومة عملها اللغوي تنضج قوة السرد من جانب الاقناع الفني (لغة , معلومات , ثيمات).
* ونرى في الطرف الثالث خميرة لعناصر الاقناع , وحظوظ النجاح التداولي للأثر القصصي فهو اختمار لرؤية تخص شمولية التوافق بين الكاتب والكتابة وفعل القراءة.