العالم الشاسع.. مسرح تحولات

ثقافة 2018/12/01
...

بغداد/ الصباح
في أشياء وأمكنة لسعد الأسدي، الشيء له وجه، والوجه كلمة تستبطن فعل المواجهة. بين الشيء والمتلقي. ويقع الوجه في المواجهة. وقد لا تكفي مواجهة الشيء في اكتشاف
 وجهه.
 إذ ليس كل ما يواجهنا من الشيء، وجه له. نحن ندرك الشيء، ندوره، حتى نكتشف له وجهاً. يدور الشيء أمامنا، ونوقفه عن حال، نسميه وجهاً.
 
يتوقف المؤلف في كتابه الصادر حديثا 2018 من دار شهريار للطباعة والنشر، عند الحضور والغياب، وكيف يختفي الشيء ساعة تريده، تطلبه فيغيب، تذهب بعيون متلهفة إلى مكان يشغله، لكنه
 يختفي. 
لست بجاهل موضعه، أو ناسياً شكله، غير إنك لا تجده. يختفي حين تذكره، تمنعاً، وتدللا، ومماحكة، تعيا بحثا عنّه. 
يقول، أيضا، في الحضور والغياب: " تداهم الكاميرا الأشياء ساعة تغيب، تتفكك، وتتحلل، وتبيد، كاشفة عن ألوان تلتصق بها. رداء يتسلل إلى الذاكرة، وهي تستعيد حضورات الأشياء الغائبة. كاميرا قبالة الأشياء، تكتب لها وجهاً متماثلا، تمنحها حضورا واحداً. يغيب الأشخاص، وعين الكاميرا متوحدة مع الأشياء. 
ملامحها ترتبك، وتغادر اكتمالها وتتخبط، متحولة صوب تجريب انتظامات أخرى".
 
المدرسة الشيئية
وفي سياق المدرسة الشيئية، يقدّم الأسدي الأشياء والأمكنة كمحاكاة في مسار سردي لأنسنتها في ذاكرته، وكأنه يُظهر "العالم الشاسع، مسرح تحولات".. وتصوّر المدرسة الشيئية هنا الأعمال الموضوعية التي تعبر عن
 المنطق.
يدرك القارئ المهتم أنّ المؤلف يهتم بعناصر غير إنسانية تخضع لزمن مُستلهم من الإحساس بالأماكن وربمّا استنطاقها.. على سبيل المثال، يورد المؤلف في "روح المكان": يتلمس الابداع المكان في جملة تصفه، أو لوحة تصوره، او صورة تستعيده، او صوت
 يتذكره.
 يوقظ فيه النبض ويدون سيرة داكنة، تنتظر مبضاً ينبش روحاً تكمن فيه.. يحضر المكان بوصفه حدث المكان، حين يأتي به ما يستدعيه فيتجلى، ويتحصل اعترافاً من سواه.    
 
 وخلال الكتاب الذي يحوي على (106) صفحات من الحجم المتوسط، يتنقّل الاسدي بين عناوين تخلق عالماً واقعياً ضمن سرديّة غير تقليدية ومتضادة. ابتدأت بالشيء، والكلمات والاشياء، كلام الأشياء، معرفة الأشياء، الصوت والصمت، الشمس والظل، الشيء والمكان، روح المكان، معرفة المكان، العالم- المعنى، المدينة، الانتماء، البيت، الفعل في المكان، وانتهت بالأشياء المهمة،
 والابداع. 
 
انسنة المكان
في المقابل، وفي عناوين أخرى بالكتاب، يشير الاسدي إلى أن - تدخل الأمكنة في حياة الإنسان، ليس تعلقا باستثمار وظيفي نفعي، ولكن برؤيا للفعل في المكان، غنية بفكر وقصد، يفيضان عن الانصياع إلى تلقائية السلوك الإنساني، لتوريث العمارة شاغلي امكنتها، ثقافة وتعودات- والمتمثلة في (العمارة- المكان، العمارة- الزمان،
 الشكل). 
 
ويلفت المؤلف إلى الجزء الخلفي من القاعة، كرسي مكسور، وعلب من الكارتون، فارغة، وسكة ستارة، تالفة، وقليل ممزق من قماشتها الرثة، حاويات نفايات ممتلئة بأتربة متجمعة، كانت متوزعة أرضية كامل القاعة. 
الجزء الخلفي من القاعة مرتع كل ما هو مهمل، ومتعثر، وتالف، من اشيائها، كما لو أنه ليس منها. خلف القاعة وحده، من تعوزه العناية التي تتلطف بكامل مساحتها، لا عناية هناك، سوى العناية بما لم يعد يحظى بالعناية. كما لو كان خلف القاعة خارجها، خارج الاهتمام، عدا ما لم يعد مهماً الاهتمام

 

 به.