الهجرة والثبات في تعبيريَّة النّحت

ثقافة 2018/12/01
...

زياد جسام
يرتكز الفنان علي نوري في أعماله النحتية على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد اغلبها تجسد  الانسان بحركات مختلفة، وذلك باستخدامه مادة الكرانيت او الحجر في أكثر الأعمال التي ينتجها. واعماله ذات التشخيص الواضح لا تتعدى مدرسة التعبيرية التجريدية، وتتمحور في الكثير من الأفكار التي تبدو غير معقدة للمتلقي ايا كان مستواه الثقافي والمعرفي.
اعتمد الفنان نوري البساطة والمعالجة القائمة في جميع نتاجاته على حركة الشخص او الكتلة المتوازنة حجما وفضاء، مبسطاً السطوح والافكار الى حد كبير، كي يعطي فرصة للمتلقي للاستمتاع البصري مع استمرار قوة ترابط الكتل المشتغل عليها، فقد اشتغل على ان تكون لاعماله الفنية صفة متميزة، هي ان العمل الفني دائما ما يتكون من عنصر واحد، بعيدة عن التعقيد الذي يتجمع داخل العمل، كما يحاول صقل السطوح او الملمس الذي استخدمه كتكنيك خاص به، وان افكاره جاءت من خلال الحياة اليومية وما يحيطها من قصص وحكايات واشتغل عليها ليحولها الى مجسمات لها جمالياتها الخاصة بكل زوايا النظر، تجربته التقنية في صياغة أعماله النحتية مألوفة بعض الشيء، الا انه يبحر في تقنيات خاضعة لقانون بحث واكتشاف ذاتي لطاقات الخامات المستعملة ومضامينها الجوهرية، صانعاً لنفسه اشكالاً جديدة، عادة ما تكون باحجام كبيرة تتعدى حجم الانسان الطبيعي، تارة يأخذ صوره الحسية من الخيال والاحلام، وتارة أُخرى تؤثر فيه لقطات حية يعيشها ويحولها الى نحت كامل ثلاثي الأبعاد بتعبير مجرد.
خليط تقني تجمع لديه في تجليات التصوير والحفر والنحت، مزروقاً سطوحه وتضاريسه النحتية بمسحات ناعمة تظُهر الخطوط والتكوينات الموجودة في الحجر او المرمر، أي خامة العمل الاساس.
ابحر الفنان علي نوري في اروقة التجريب واستلهم رؤيته التشكيلية وتفريغ مخزونه الانفعالي الذاتي، في تجارب مكثفة اختتمها في معرض شخصي كبير في مصر حمل عنوان " الهجرة والثبات" تطرق من خلاله الى موضوعة الهجرة والاحداث التي مرت بها المنطقة والبحث عن الجنة الموعودة على حد تعبير الفنان للاعلام في دول اوروبا وغيرها، فقد جسدت بهذا المعرض تماثيل قريبة للتعبد والالم وهي نفذت بخامة الكرنايت وتراوحت احجامها من المتر الى المترين. ا ثارت اعجاب ورأي الحركة التشكيلية في مصر، وكان ذلك المعرض على قاعة "الهناجر"  التابعة لوزارة الثقافة. نجح في معرضه الاخير هذا الى حد كبير ليقطف من مساحات هذا الفن بعضاً من مسارات بحثه التقني الابداعي، ملامساً في ذلك مضامين النحت الاجتماعي الموصول بقصص وحقب زمنية متعاقبة، حافلة بحكايات مؤلمة وثقها بتعبيرية عالية. صحيح ان اعماله لا تبتعد عن الواقع كثيراً، لكن تبقى هي عبارة عن رسالة شكلية بمفهوم مادي ملموس موجه الى العالم ليشاهد ويعي ما يريد قوله هذا الفنان، فقد تجاوز حدود الواقع ليس بالشكل فحسب انما في الانشاء والفكرة، لذا يمكننا القول بأن النحات علي نوري يحاول السفر الى عالم الاحلام كي يأتي بصور حسية مجسمة تتناغم مع الواقع المحلي تحديداً.